قلنا: عند ابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وصف العمدية شرط لوجوب الجزاء، فلا يرد عليهم السؤال، وأمّا على قول الجمهور، فإنما قيّده بوصف العمدية، لأن الواقعة التي كانت سبب نزول الآية، كانت عمدا على ما يروى عن الصحابة، أنه اعترض حمار وحش بالحديبية وهم محرمون، فطعنه ابو اليسر برمحه، فقطعه، فنزلت الآية، فخرج وصف العمدية، مخرج الواقع لا مخرج الشرط. وقال الزهري: نزل الكتاب بالعمد، ووردت السنّة بالوجوب في الخطأ.
فإن قيل: لم قال تعالى: هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [الآية ٩٥] مع أن الشرط بلوغه الى الحرم لا غير؟
قلنا: لمّا كان المقصود من بلوغ الهدي الى الحرم تعظيم الكعبة، ذكر الكعبة تنبيها على ذلك. وقيل معناه بالغ حرم الكعبة.
فإن قيل: قوله تعالى جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) ، أي دلالة لهذه الأمور المذكورة على علم الله تعالى بما في السماوات وما في الأرض، وأنه بكل شيء عليم.
قلنا: ذلك إشارة إلى كل ما سبق ذكره، من الغيوب في هذه السورة، من أحوال الأنبياء والمنافقين واليهود، لا الى المذكور في هذه الآية. الثاني ان العرب كانت تسفك الدماء وتنهب الأموال، فإذا دخل الشهر الحرام، أو دخلوا الى البلد الحرام كفّوا عن ذلك، فعلم الله تعالى أنّه لو لم يجعل لهم زمانا أو مكانا يقتضي كفهم عن القتل، ونهب الأموال لهلكوا، فظهرت المناسبة.
فإن قيل: لم قال تعالى ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ [الآية ١٠٣] والجعل هو الخلق بدليل قوله تعالى ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها [الزّمر/ ٦] وقوله تعالى وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام/ الآية الأولى] ، وخالق هذه الأشياء هو الله تعالى؟
قلنا: المراد بالجعل هنا الإيجاب والأمر: أي ما أوجبها ولا أمر بها.
وقيل المراد بالجعل التحريم.
فإن قيل: قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ [الآية ١٠٥] يدل