المعنى، فلم أنكر عليهم عيسى عليه السلام بقوله: اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) ؟
قلنا: إن إنكاره عليهم إنّما كان لأنهم أتوا بلفظ يحتمل المعنى الذي لا يليق بالمؤمن المخلص إرادته، وإن كانوا لم يريدوه.
فإن قيل: كيف قال عيسى (ع) :
وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ [الآية ١١٦] وكل ذي نفس فهو ذو جسم، لأن النفس عبارة عن الجوهر القائم بذاته المتعلّق بالجسم تعلّق التدبير، والله تعالى منزه عن الجسم.
قلنا: النفس تطلق على معنيين:
أحدهما هذا، والثاني حقيقة الشيء وذاته كما يقال: نفس الذهب والفضة محبوبة: أي ذاتهما، والمراد به في الآية ثانيا هذا المعنى. [والنّفس ترد بمعنى عند، أي تعلم ما عندي، ولا أعلم ما عندك ولعل هذا المعنى أقرب المعاني للآية الكريمة] «١» .
فإن قيل: كيف قال عيسى (ع) : ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ [الآية ١١٧] ، مع أنه قال لهم كثيرا من الكلام المباح غير الأمر بالتوحيد؟
قلنا: معناه قلت لهم فيما يتعلق بالإله.
فإن قيل: إذا كان عيسى لم يمت، وإنّما هو حي في السماء فكيف قال فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي [الآية ١١٧] .
قلنا: أراد بالتوفّي إتمام مدة إقامته في الأرض، وإتمامه قد سبق في قوله:
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ [آل عمران/ ٥٥] والسؤال إنما يتوجّه على قول من قال: إن السؤال والجواب وجدا يوم رفعه الى السماء، وأمّا من قال: إن السؤال إنّما يكون يوم القيامة وعليه الجمهور، فالجواب مطابق ولا إشكال فيه.
في قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨) .
فإن قيل: لو قال عيسى عليه السلام: إن تعذبهم فإنك أنت العزيز الحكيم، وإن تغفر لهم فإنهم عبادك، كان أظهر مناسبة؟
(١) . راجع لسان العرب، مادة نفس.