قلنا: معناه إن تعذّبهم فإنهم عبادك، وتصرّف المالك المطلق الحقيقي بعبيده مباح: أيّ تصرف كان، وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم، الذي لا ينقص من عزه شيء، بترك العقوبة والانتقام ممن عصاه، الحكيم في كل ما يفعله من العذاب او المغفرة.
فإن قيل: لم قال تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [الآية ١١٩] يعني يوم القيامة، والصدق نافع في الدنيا والآخرة، ولفظ الآية في قوة الحصر؟
قلنا: لمّا كان نعت الصدق في الآخرة، هو الفوز بالجنّة والنجاة من النار، ونفعه في الدنيا دون ذلك، كان كالعدم بالنسبة الى نفعه في الآخرة، فلم يقيّد به في مقابلته.
فإن قيل: قوله تعالى هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [الآية ١١٩] إن أراد به صدقهم في الآخرة، فالآخرة ليست بدار عمل، وإن أراد به صدقهم في الدنيا، فليس بمطابق لما ورد فيه، وهو الشهادة لعيسى (ع) بالصدق، فبما يجيب به يوم القيامة؟
قلنا: أراد به الصدق المستمرّ، بالصادقين في دنياهم وآخرتهم وعن قتادة رحمه الله: متكلمان صدقا يوم القيامة، فنفع أحدهما صدقه دون الآخر: أحدهما إبليس الذي قال:
إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [إبراهيم/ ٢٢] . وصدق يومئذ فلم ينفعه صدقه، لأنه كان كاذبا قبل ذلك، والآخر عيسى (ع) الذي كان صادقا في الدنيا والآخرة، فنفعه صدقه.
فإن قيل: ما في السموات والأرض العقلاء وغيرهم، فلماذا لم يغلّب العقلاء على غير العقلاء ولم يأت بالموصول «من» ، بل أتى بالموصول «ما» فقال، جل من قائل: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ [الآية ١٢٠] ؟
قلنا: لأن كلمة «ما» تتناول الأجناس كلها تناولا عاما بأصل الوضع، و «من» لا تتناول غير العقلاء بأصل الوضع، فكان استعمال «ما» في هذا الموضع أوفى.