للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يشاحّ غيره على بلوغ الغاية المقصودة، وينافسه في الإسراع الى البغية المطلوبة.

وقوله سبحانه: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [الآية ٥٤] . وهذه استعارة. لأن الحبّ الذي هو ميل الطباع لا يجوز على القديم سبحانه.

وقوله سبحانه: وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ [الآية ٦٤] .

وهذه استعارة. ومعناها أن اليهود اخرجوا هذا القول مخرج الاستبخال لله سبحانه، فكذّبهم تعالى بقوله: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وليس المراد بذكر اليدين هاهنا الاثنتين اللتين هما اكثر من الواحدة، وإنما المراد به المبالغة في وصف النعمة. كما يقول القائل: ليس لي بهذا الأمر يدان، وليس يريد به الجارحتين، وإنما يريد المبالغة في نفي القوة على ذلك الأمر.

وربما قيل إن المراد بذلك نعمة الدنيا ونعمة الآخرة. والله أعلم أيّ ذلك أصوب. وقد أشبعنا الكلام على هذا المعنى في كتابنا الكبير.

وقوله تعالى: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ [الآية ٦٤] وهذه استعارة.

لأن الحرب لا نار لها على الحقيقة، وإنما شبّهت بالنار لاحتدام قراعها، وجدّ مصاعها «١» ، وأنها تأكل أهلها، كما تأكل النار حطبها.

وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [الآية ٦٦] . فهذه استعارة. لأن التوراة لا يصح عليها القيام، وإنما المراد لو أنهم اتبعوا حكمها. وقوله تعالى:

لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [الآية ٦٦] استعارة اخرى على احد التأويلين، وهو أن يكون المراد بهذا القول العبارة عن سعة الرزق ورفاهة العيش. كما يقول القائل: فلان مغمور في النعيم والنّعمة من قرنه الى قدمه. والتأويل الآخر لأكلوا من فوقهم، أي من ثمار الشجر التي تفوت بسطة اليد، ومن تحت أرجلهم، أي من نبات الأرض الذي يباشر موطئ القدم. وقيل المراد بذلك ما يكون عن مساقط الغيث من إخصاب منابت الأرض.


(١) . ماصعه مصاعا: جالده بالسيف أو نحوه، اللسان، مادّة مصع.