الروم، وهي دولة قوية ليست كمن قاتلوهم من قبائل العرب، فتثاقل عنها المنافقون واستعظموا غزو الروم، وأثّروا في بعض المؤمنين، وقد بدأ بلومهم على تثاقلهم، إذا قيل لهم انفروا في سبيله، وإيثارهم الحياة الدنيا على الاخرة ثم ذكر أنهم إلّا ينفروا يعذّبهم، ويستبدل قوما غيرهم، ولا يضرّوا النبي (ص) ، وأنهم إلّا ينصروه فقد نصره في هجرته من مكة ثاني اثنين، وقد جزع رفيقه وهما في الغار أن يدركهما المشركون، فقال له كما ورد في التنزيل لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [الآية ٤٠] فأنزل سكينته عليه، وأيّده بجنود من عنده، وجعل كلمة الكافرين السّفلى، وكلمته هي العليا ثم أمرهم أن ينفروا خفافا وثقالا، ويجاهدوا بأموالهم وأنفسهم ورغّبهم في ذلك، بأنه خير لهم لو كانوا يعلمون ثم عاد السياق إلى توبيخهم على تثاقلهم، فذكر سبحانه، أنه لو كان دعاهم إلى عرض قريب من الدنيا، أو سفر سهل لاتّبعوه طمعا في منافع الدنيا، ولكن طال السفر عليهم في هذه الغزوة، وأيسوا من الفوز بالغنائم، فتثاقلوا عنها، وسيحلفون بالله، أنهم لو استطاعوا الخروج لخرجوا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢)[الآية] ، ثم عاتب تعالى النبي (ص) على إذنه لهم بالقعود، وكان من الخير ألّا يأذن لهم، حتّى يعلم الصادقين في عذرهم من الكاذبين ثم ذكر أن الذين يؤمنون به وباليوم الاخر، لا يستأذنون في الجهاد بأموالهم وأنفسهم، لأنهم يعلمون عظيم ما أعدّ لهم في ذلك اليوم، إذا استشهدوا في الجهاد، وإنما يستأذن في الجهاد الذين لا يؤمنون بذلك من المنافقين ولو أنهم أرادوا الخروج، لأعدوا له عدّته، وخرجوا مع المجاهدين ولكنه علم المصلحة في عدم خروجهم، فثبّطهم عن الخروج ولو خرجوا، لأوقعوا الفتنة في صفوف المسلمين، وأطلعوا أعداءهم على أسرارهم، كما فعلوا مثل هذا من قبل، في غزوة أحد وغيرها.
ثم قسّمهم في النفاق إلى أقسام، أولها: الذين إذا طلبوا للجهاد ذهبوا إلى النبي (ص) وعرضوا عليه أن يعينوه بأموالهم، على أن يأذن لهم في القعود، ولا يفتنهم بعدم الإذن فسقطوا في الفتنة من حيث يظهرون البراءة منها. ثم ذكر السياق بعد هذا،