قلنا: هذا وصف من الله لهم، بالجهل في أحكام القرآن لا في ألفاظه ونحن لا نحتجّ بلغتهم في بيان الأحكام، بل نحتج بلغتهم في بيان معاني الألفاظ، لأن القرآن والسنة جاءا بلغتهم.
فإن قيل لم قال تعالى في صفة المنافقين مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [الآية ١٠١] وقال في موضع آخر وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد: ٣٠] .
قلنا: هذه الآية، نزلت قبل تلك الآية، فلا تناقض، لأنه نفى علمه لهم في زمان، ثم أثبته بعد ذلك في زمان آخر.
فان قيل: قوله تعالى خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً [الآية ١٠٢] قد جعل كلّ واحد منهما مخلوطا، فأين المخلوط به؟
قلنا: كلّ واحد مخلوط ومخلوط به، لأن معناه: خلطوا كل واحد منهما بالآخر كقولك: خلطت الماء واللبن، تريد خلطت كلّ واحد منهما بصاحبه، وفيه من المبالغة ما ليس في قولك:
خلطت الماء باللبن، لأنك بالباء جعلت الماء مخلوطا واللبن مخلوطا به، وبالواو جعلت الماء واللبن مخلوطين ومخلوطا بهما كأنك قلت:
لخلطت الماء باللبن، واللبن بالماء ويجوز أن تكون الواو بمعنى الباء، كقولهم: بعت شاة ودرهما، يعنون شاة بدرهم.
فإن قيل: لم قال تعالى وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ [الآية ١١٢] بالواو، وما قبلها من الصفات بغير واو؟
قلنا: لأنها صفة ثامنة، والعرب تدخل الواو بعد السبعة إيذانا بتمام العدد، فإن السبعة عندهم هي العقد التام كالعشرة عندنا فأتوا بحرف العطف الدال على المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه، ونظيره قوله تعالى وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: ٢٢] بعد ما ذكر العدد مرّتين بغير واو وقوله تعالى في صفة الجنة وَفُتِحَتْ أَبْوابُها [الزمر: ٧٣] بالواو لأنها ثمانية. وقال في صفة النار، نعوذ بالله منها، فتحت أبوابها بغير واو لأنها سبعة. وليس قوله تعالى ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥)[التحريم] من هذا القبيل، لأن الواو لو أسقطت فيه لاستحال المعنى، لتناقض الصفتين. وقيل إنّما دخلت الواو على الناهين عن المنكر، إعلاما بأن الأمر بالمعروف، ناه عن المنكر، في حال أمره بالمعروف فهما