وأما ثمود، فكانت قبيلة تسكن مدائن الحجر- بين تبوك والمدينة- وبلغت كل منهما في زمانها أقصى القوة والمنعة والرزق والمتاع. ولكن هؤلاء وهؤلاء كانوا ممّن حقت عليهم كلمة الله، بما عتوا عن أمر الله واختاروا الوثنية على التوحيد، وكذّبوا الرسل شرّ تكذيب، وفي قصّتهم هنا، مصداق ما في مطلع السورة من بشارة للمؤمنين، وإنذار للكافرين.
وقد ذكرت قصة هود في سورة الأعراف من الآية ٦٥ إلى الآية ٧٢، وفي سورة الشعراء من الآية ١٢٣ إلى الآية ١٤٠، ثم ذكرت هنا في سورة هود من الآية ٥٠ الى الآية ٦٠.
وقد نتساءل: لماذا سمّيت هذه السورة بسورة هود، مع أنها اشتملت على عدد كبير من قصص الأنبياء، منهم نوح وهود وصالح وابراهيم ولوط وموسى عليهم السلام، والجواب أن قوم هود (ع) قد حباهم الله سبحانه، نعما وافرة وخيرات جليلة، وأرسل السماء عليهم بالمطر، فزرعوا الأرض وأنشأوا البساتين، وشادوا القصور، ومنحهم الله فوق ذلك بسطة في أجسامهم وقوّة في أبدانهم. وكان الواجب عليهم أن يفكّروا بعقولهم وأن يشكروا الله على هذه النّعم، ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل اتّخذوا أصناما يعبدونها من دون الله، ثم عثوا في الأرض فسادا وظلما وعدوانا. ولما جاءهم هود يدعوهم إلى الله، ويأمرهم بتقواه وطاعته، ويحذّرهم من البغي والعدوان، لم يصيخوا لدعوته، ولم يؤمنوا برسالته.
وإذا كانت السورة تسمّى بأغرب شيء فيها، فإن الغرابة في قصة هود هي أن قومه «عادا» كانوا أكثر فضلا ونعمة، ولكنهم قابلوا هذه النعمة بالجحود والكنود.
وتذكر الآيات معارضتهم لهود وإنكارهم عليه، واعتقادهم أن آلهتهم أنزلوا به الجنون والاضطراب، فيتبرّأ هود من آلهتهم ويتحدّاهم، ويستنهض همتهم في أقصى ما يستطيعون من قوى الكيد، وأنه لن يعبأ بهم ولا بجمعهم، قال هود، كما ورد في التنزيل: