مألوف في العربية، ألا ترى انهم قالوا:
الظّلام والظّلمة، حتّى إذا أرادوا الفعل قالوا: أظلم الليل، وليس لهم «ظلم» .
١٠- قال تعالى: فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) .
أقول: والحنيذ المشويّ بالرّضف في أخدود، أي: بالحجارة.
وهذا، مما كان معروفا في رسوم الجاهليين وغيرهم، من أهل البوادي.
١١- وقال تعالى: وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) .
قال الزمخشري «١» : كانت مساءة لوط وضيق ذرعه لأنه حسب أنهم إنس، فخاف عليهم خبث قومه، وأن يعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم.
أقول: جاء في كتب اللغة: أن الذرع الطاقة. وضاق بالأمر ذرعه وذراعه أي: ضعفت طاقته، ولم يجد من المكروه فيه مخلصا، ولم يطقه ولم يقو عليه، وأصل الذّرع إنما هو بسط اليد فكأنك تريد: مددت يدي إليه فلم تنله، قال حميد بن ثور يصف ذئبا:
وإن بات وحشا ليلة لم يضق بها ... ذراعا، ولم يصبح لها وهو خاشع
وضاق به ذرعا مثل ضاق به ذراعا، ... ونصب «ذرعا» ، لأنه خرج مفسّرا
محوّلا، لأنه كان في الأصل: ضاق ذرعي به، فلما حوّل الفعل خرج قوله ذرعا مفسّرا، ومثله طبت به نفسا، وقررت به عينا.
وأصل «الذّرع» ان يذرع البعير بيديه في سيره ذرعا على قدر سعة خطوه، فإذا حملته على أكثر من طاقته حتى يبطر، ويمدّ عنقه ضعفا عمّا حمل عليه.
١٢- وقال تعالى: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ [الآية ٧٨] .
قال أبو عبيدة: معناه يستحثّون إليه كأنه يحثّ بعضهم بعضا.
وتهرّع إليه: عجل.
أقول: وأصل الهرع والهرع والإهراع شدّة السّوق، وسرعة العدو، قال الشاعر:
كأنّ حمولهم متتابعات، ... رعيل يهرعون الى رعيل
وهذا الفعل «هرع» ، ومثله قولهم
(١) . «الكشاف» ٢/ ٤١٣.