وفي حديث عليّ- عليه السلام-:
اتّخذتموه وراءكم ظهريّا حتى شنّت عليكم الغارات، أي: جعلتموه وراء ظهوركم.
أقول: لم يبق من هذه المادة الجميلة إلا ما ورد على التثنية، وهو معروف لدى القلة من أهل العربية الملتزمة بالفصاحة، يقال: هو نازل بين ظهرانيهم، أي: بين أظهرهم، وأقام بينهم.
وقد ورد في الحديث الشريف أيضا، ويقال بين ظهريهم أيضا.
وينبغي أن ننبّه الى أنّ قولهم: «بين ظهرانيهم» و «ظهريهم» ينبغي أن يكون الأول والثاني بفتح الظاء، والأول أيضا بفتح النون. وتنبيهي هذا دليل أن الخطأ معروف، كما أن الأقدمين نبّهوا على مثل هذا.
١٥- وقال سبحانه وتعالى: وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) .
أي: ما زادوهم غير تخسير، يقال:
تبّ إذا خسر، وتبّبه غيره إذا أوقعه في الخسران.
أقول: لا نعرف في العربية المعاصرة هذا الفعل ولا المصدر، كما لا نعرف الثلاثي منه، ولا نقرأه إلّا في لغة التنزيل. ١٦- وقال تعالى: إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) .
والمعنى: غير مقطوع.
وجذّ الشّعر معروف في عصرنا في العربية المعاصرة.
أما الجذ بمعنى القطع كما في الآية، فهو معروف في العربية القديمة، فالجذّ القطع، وكسر الشيء الصّلب، والجذاذ والجذاذ، ما كسر منه، وضمّه أفصح من كسره، والواحدة جذاذة، وقطع الفضة الصغار جذاذ، ويقال لحجارة الذهب. والجذاذات القراضات للفضة.
وجذذت الحبل قطعته فانجذّ، وجذّ النّخل يجذّه جذا وجذاذا وجذاذا حرمه. عن اللحيانيّ، وهي مثل جزّ جزا وجزازا وجزازا.
ورحم جذّاء: مقطوعة.
أقول: ذهب كل هذا وليس لنا إلّا الشّعر يجذّ، وإلّا قول المعاصرين من الباحثين في مصطلحهم «الجذاذة» لقطعة الورق، التي يثبتون فيها فائدة خاصة، يرجعون إليها بعد جمع ما يحتاجون إليه من فوائد ومعارف، لتدخل في المادة التي يحرّرونها كتابا أو أي شيء آخر.