قلنا: أراد بالنداء هنا إرادة النداء فجاء بالفاء الدالة على السببية، فإن إرادة النداء سبب للنداء، فكأنه قال:
وأراد نوح نداء ربه فقال كيت وكيت، وأراد به في قصة زكريا عليه الصلاة والسلام حقيقة النداء، فلهذا جاء بغير فاء لعدم ما يقتضي السببية.
فإن قيل: هود عليه الصلاة والسلام كان رسولا ولم يظهر معجزة، ولهذا قال له قومه: يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ ( [الآية ٥٣] فبأي شيء لزمتهم رسالته؟
قلنا: إنّما يحتاج الى المعجزة، من الرسل، من يكون صاحب شريعة لتنقاد أمّته لشريعته، فإن في كل شريعة أحكاما غير معقولة فيحتاج الرسول الآتي بها، الى معجزة لتشهد بصحة صدقه، فأما الرسول الذي لا تكون له شريعة ولا يأمر إلّا بالعقليات فلا يحتاج الى معجزة، لأن الناس ينقادون الى ما يأمرهم به لموافقته للعقل، وهود (ع) كان كذلك. الثاني: أنه نقل أن معجزة هود كانت الريح الصرصر، فإنها كانت سخّرت له. فإن قيل: على الوجه الأول لو كان أمره لهم مقصورا على العقليات لما خالفوه وكذبوه ونسبوه الى الجنون، بقولهم كما ورد في التنزيل يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ إلى بِسُوءٍ.
قلنا: إنما صدر ذلك القول من قاصري العقول أو المعاندين المكابرين، كما قيل ذلك لكل رسول بعد إتيانه بالمعجزات الظاهرات والآيات الباهرات.
فإن قيل: هل قوله تعالى: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا [الآية ٥٤] لتتناسب الجملتان؟
قلنا: لأن إشهاد الله تعالى على البراءة من الشرك إشهاد صحيح، مفيد تأكيد التوحيد وشده معاقده وأما إشهادهم فما هو إلا تهكّم بهم وتهاون ودلالة على قلة المبالاة، لأنهم ليسوا أهلا للشهادة فعدل به عن اللفظ الأول، وأتى به على صورة التهكّم والتهاون كما يقول الرجل لصاحبه إذا لاحاه: اشهد إني لأحبك، تهكّما به واستهانة له.
فإن قيل: قوله تعالى: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ [الآية ٥٧] جعل التولّي