فيكون الجواب، أن الآية الثالثة أريد بها طائفة خاصة، غير الطائفتين الأوليين فلا تناقض.
فإن قيل: لم قال تعالى فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) وكلمة «من» للتبعيض، ومعلوم أن الناس كلهم إما شقي أو سعيد، فما معنى التبعيض؟
قلنا: التبعيض هنا على حقيقته، لأنّ أهل القيامة ثلاثة أقسام: قسم شقيّ، وقسم سعيد، وهم أهل النار والجنة كما ذكر في هذه الآية مفصّلا وقسم لا شقي ولا سعيد وهم أهل الأعراف.
الثاني أنّ معنى الكلام: فمنهم شقيّ ومنهم سعيد، وهذا يقتضي أن يكون الشقيّ بعض الناس والسعيد بعض الناس، والأمر كذلك، ولا يقتضي أن يكون الشقي والسعيد كلاهما بعض الناس، بل كل واحد منهما بعض، وكلاهما كلّ، كما تقول من الحيوان إنسان، ومن الحيوان غير إنسان، وكل الحيوان إما إنسان أو غير إنسان.
فإن قيل: لم قال تعالى: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [الآية ١٠٨] وأراد به بيان دوام الخلود، مع أنّ أهل الجنة وأهل النار مخلّدون فيهما خلودا لا نهاية له، والسموات والأرض ودوامهما منقطع، لأنهما يوم القيامة ينهدمان، قال الله تعالى: كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (٢١)[الفجر] وقال تعالى: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١)[الانفطار] وقال تعالى: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الأنبياء/ ١٠٤] ونظائره كثيرة ممّا يدل على خراب السموات والأرض؟
قلنا: للعرب في معنى الأبد ألفاظ تعبر عن إرادة الدوام دون التأقيت، منها هذا يقولون: لا أفعل كذا ما اختلف الليل والنهار، وما دامت السماء والأرض، وما أطمت الإبل، ويريدون بذلك لا أفعله أبدا مع قطع النظر عن كون المؤقّت به له نهاية أو لا نهاية له.
الثاني: أنه خاطبهم على معتقدهم أن السموات والأرض لا تزول ولا تتغير.
الثالث: أنه أراد به كون الفريقين في قبورهم إما منعّمين أو معذّبين، كما جاء في الحديث «إن القبر إمّا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» ومن كان في روضة من رياض الجنة فهو في الجنة، ومن كان في حفرة من حفر النار فهو في النار، فعلى هذا يكون المراد بالتأقيت بدوام السماوات والأرض مدة الخلود الى