في عذاب النار بل يعذّبون بالزمهرير وغيره من أنواع العذاب، سوى النار، وهو سخط الله عليهم فإنه أشد وكذلك السعداء لهم سوى نعم الجنة ما هو أجلّ منها، وهو الزيادة التي وعدهم الله تعالى إيّاها، بقوله سبحانه:
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس/ ٢٦] ورضوان الله كما قال تعالى:
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة/ ٧٢] وقوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة/ ١٧] فهو المراد بالاستثناء، ويعضد هذا الوجه قوله تعالى، بعد ذكر الاستثناء: إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وقوله تعالى بعد ذكر السعداء: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) يعني أنّه يفعل بأهل النار ما يريد من أنواع العذاب، ويعطي أهل الجنة أنواع العطاء الذي لا انقطاع له، فاختلاف المقطعين يؤكّد صرف الاستثناء إلى ما ذكرنا، فتأمّل كيف يفسّر القرآن بعضه بعضا.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩) بعد قوله سبحانه وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ [الآية ١٠٩] والتوفية والإيفاء إعطاء الشيء وافيا:
أي تامّا، نقله الجوهري وغيره، والتامّ لا يكون منقوصا؟
قلنا: هو من باب التأكيد.
فإن قيل: قوله تعالى وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ [الآية ١١٩] إشارة إلى ماذا؟
قلنا: هو إشارة إلى ما عليه الفريقان من حالي الاختلاف والرحمة، فمعناه أنّه خلق أهل الاختلاف للاختلاف، وأهل الرحمة للرحمة وقد فسّره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، فقال:
خلقهم فريقين: فريقا رحمهم فلم يختلفوا، وفريقا لم يرحمهم فاختلفوا.
وقيل: هو إشارة إلى معنى الرحمة وهو الترحّم، وعلى هذا يكون الضمير في «خلقهم» للذين رحمهم فلم يختلفوا.
وقيل: هو إشارة الى الاختلاف والضمير في «خلقهم» للمختلفين، واللام على الوجه الأول والثالث لام العاقبة والصيرورة، لا لام كي، وهي التي تسمى لام الغرض والمقصود، لأن الخلق للاختلاف في الدين لا يليق بالحكمة، ونظير هذه اللام قوله تعالى: