للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنس أنه حَسَبَ مقام النبي صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم بمكة ومنى، وإلا فلا وجه له غير هذا، واحتج بحديث جابر … ) (١).

وهذا القصر بالنسبة للآفاقيين واضح؛ لأنهم مسافرون، وإنما الإشكال في قصر أهل مكة، والصواب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (أنهم إنما قصروا لأجل سفرهم لا لأجل النسك، ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وإن كانوا محرمين) (٢).

وذلك لأنهم برزوا وقطعوا تلك المسافة وتزوَّدوا وباتوا وغابوا، وهذه من أوصاف السفر، وإلا فإن الإنسان قد يذهب من مكة إلى عرفة في ذلك الوقت لغرض ويرجع من ساعته أو يومه ولا يُعدُّ مسافراً.

وقد وقع الخلاف بين العلماء في مدة الإقامة التي إذا أقامها أثناء سفره يأخذ حكم السفر وسبب الخلاف - كما يقول ابن رشد (٣) ـ أن الزمن أمر مسكوت عنه في الشرع، ولهذ استدل كل فريق بحال من الأحوال التي نقلت عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنه أقام فيها وقصر الصلاة.

الوجه الرابع: استدل جمهور العلماء ومنهم: مالك، والشافعي، وأحمد (٤) بهذا الحديث على أن المسافر إذا أقام لانتظار حاجة مقيدة بمدة معينة أنه يقصر إذا كانت إقامته أربعة أيام فما دونها أو إحدى وعشرين صلاة، وما زاد عن ذلك فإنه يتم لخروجه عن حكم المسافر، وهذا هو اختيار الشيخ عبد العزيز بن باز.

ووجه الاستدلال: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قدم مكة صبيحةَ رابعةٍ من ذي الحجة؛ لأنه صلّى الفجر بذي طوى قبل إقامته بالأبطح، فأقام بها اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، وصلّى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى وصلّى بها الظهر، وخرج من مكة متوجهاً إلى المدينة بعد أيام التشريق كما


(١) "المنتقى" (١/ ٦٦٩).
(٢) "الفتاوى" (٢٤/ ١٢).
(٣) "بداية المجتهد" (١/ ٤٠٦ - ٤٠٧).
(٤) المصدر السابق، "المجموع" (٤/ ٣٥٩)، "المغني" (٣/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>