ومعززا ونديما، ولم يزل تحت أوامره يصافيه ويصطفيه ظعنا وإقامة إلى أن نقله الله إليه شهيدا.
وبالغ جهده وطاقته في الأخذ بثأره من المارق الممقوت اللعين سليمان بن جرير المعروف بالشماخ، فاقتفى أثره إلى أن لحقه بوادى ملوية فضربه بسيفه ضربات قطع بإحداهن يده وأثخنه بالباقى جراحا، ومع ذلك عبر الوادى فأعجز المترجم لحاقه فرجع وجهز مولانا إدريس ودفنه، ثم ألح القوم عليه بالقيام بأمرهم كما كان مولاه من قبله إلى أن تضع جاريته كنزة حملها، فإن وضعت ذكرا بايعوه، وإن وضعت أنثى لم يعدلوا عنه، لأنه أحقّ بالإمامة من غيره لعلمه وفضله ودينه وشهامته ونصحه لملة الإسلام.
فقام بالأمر أحسن قيام، وجعل في حكمه بينهم الكتاب والسنة إمام، وحفظ حرمة مولانا إدريس في أهله وولده من بعده حملا ورضيعا إلى أن شب على هدى سلفه في صيانة وعفاف، وتحلى بأشرف الأوصاف، وتجلى على منصة الجلال والكمال، حفظ القرآن وهو ابن ثمانية أعوام وتفهمه وتعلم السنة والسياسة وحفظ أشعار العرب واستطلع على سياستها وأمثالها وحكمها ووقائعها وحروبها ودربه على الرماية بالسهام وركوب الخيل وخدع الحرب والمكر والفر، ولما بلغ من السن إحدى عشرة سنة أخذ له البيعة العامة على المنشط والمكره من سائر القبائل.
وأصل راشد هذا قيل من المغرب وبه نشأ أوربى من القبيلة الشهيرة وهو ابن منصة، سبى مع أبيه في غزوة موسى بن نصير، وقفل معه إلى المشرق، وقيل: من المولدين، وقيل: من العرب من موالى العلويين، وقيل: غير ذلك والله أعلم بحقيقة الأمر، وأيا كان فله يد بيضاء في الإسلام وفضل لا ينكر، وأثيل مجد يجب أن يذكر به ما طلع نجم ويشكر.