كان سبب نشوء العلائق بين المترجم ودولة إسبانيا وجود أسارى المسلمين في بلادها، وقد علمت رغبته رحمه الله في افتدائهم من أى بلاد كانوا، وتقرر أمرها واشتهر، فاتفق أن وردت إليه عدة رسائل من أولئك الأسارى وفيهم بعض الطلبة وعلماء الدين يعلمونه بما هم فيه من الشدة والضيق، فلما اتصل بها تمكنت منه ضراعتهم فأمر لهم بصلة حسنة، حسبما هى عادته معهم في كل سنة.
وكتب في الحال لملك الأسبان (كارلوس الثالث) يقول له: إننا في ديننا لا يسعنا إهمال الأسارى وإبقاؤهم في قيد الأسر، ولا حجة للتغافل عنهم ممن ولاه الله التصرف والأمر، وفيما نظن أن في دينكم لا يسوغ لكم ترك أساراكم في الأسر مع الإمكان والاستطاعة ووجود ما يفتدون به من أسارى المسلمين واتساع البضاعة، فما للتغافل من الجهتين وجه يعتبر، ولا أمر ينتظر، والحرب سجال، في المبارزة والنزال.
ومسألة هى من أعظم هذا كله، هى إغفالكم عن البحث في أسارى المسلمين حتى يتبين لكم العالم بعلمه، والجاهل بجهله، ثم تجعلون لأهل حرمة ومكانة، وعزة وصيانة، بحيث تجعلون لهم كعلامة يميزون بها عن الغير، حتى لا يقع أحد فيهم بشتم ولا بهضم حرمة في مقامهم والسير، مثل ما نفعله نحن بأساراكم من الفرايلية، إن قدر الله بأسرهم لا نكلفهم بخدمة، ولا نخفر لهم ذمة، فعلام تحترمون الرؤساء من الأسارى؛ ولا تعبئون بحامل كتاب الله، على أنهم أفضل منهم عند الله، ومطلق أساراكم لا نحملهم ما لا يطيقون، ولا نلزمهم ما لا عليه يقدرون، نترك مريضهم لمرضه، ونسمع ضراعتهم وننصت لما يقولون، فتأمل ذلك في نفسك، واعمل بمقتضاه وأمر به أبناء جنسك.