وفى سلوة الأنفاس: أنه كان علامة دراكة فاضلا، محدثا تاريخيا كاملا، محبا للعلماء، مجالسا للفقهاء، إلى أن قال: وكان من أعظم الملوك مهابة وفخرا، وأشدهم نكاية للعدو الكافر برا وبحرا، تطيعه ملوك بنى الأصفر، وتمتثل أمره وتخضع له رقاب الأكاسرة وتجل ذكره.
وهو الذى أعاد للدولة شبابها، وهيا للحياة أسبابها، ونهج لها نهجا جديدا وأسس لها بعد جده الأعظم أبى النصر إسماعيل ركنا شديدا، ونشر بين الخافقين مجدها، بعد ما كسر من شوكة العبيد حدها.
[خلافته بمراكش]
واستخلفه أبوه بمراكش سنة ١١٥٩ وهو ابن خمس وعشرين سنة، فنزل قصبتها وليس بها يومئذ إلا آثار السعديين والموحدين الخراب، فضرب خيامه بها وشرع في حفر أساس داره بها، وكان سفهاء الرحامنة وشرارهم قد ألفوا العيث والفساد في أطراف المدينة، وكانوا يجتمعون بتلك القصبة.
فلما رأوا منه ذلك منعوه من البناء وأخرجوه عنها، فتوجه لآسفى، فاعترضته قبائل عبدة وأحمر وأكرموه واحتلفوا بأمره، وصحبوه إلى أن نزل قصبة آسفى ففرح به أهلها، ورفعوا إليه هداياهم، وأهدى له كذلك تجار النصارى، وأهل الذمة من اليهود وتنافسوا في ذلك.
وسرح للتجار وسق السلع من المرسى فوفدت إليه المراكب بأنواع سلعها من أوربا، وقصدها التجار من كل جهة، وطار صيت الخليفة في بلاد الحوز، ودخل في طاعته الشياظمة وحاحة وتسابقوا إلى خدمته، فلم تمض عليه ستة أشهر حتى كان يركب في نحو الألف.
وقدم عليه أخوه الأكبر المولى أحمد خليفة الرباط لما أخرجه أهلها منها، فنزل على أخيه المترجم، ولما سمع الرحامنة بما صار إليه أمر الخليفة ندموا على ما