ثم بدا له لما بارح مراكش المرور على غير الطريق التي عين في هذا المسطور الفخيم لأمور، منها: أن الزمان كان زمن برد وشتاء يصعب بسبب ذلك سلوك ذلك السبيل مع قلة التبن والشعير لعلف الدواب في ذلك الإبان (١) بتلك القبائل.
ومنها تطارح عمال الشاوية وأعيانهم على أعتابه الطاهرة، راغبين في مرور جنابه الشريف ببلادهم لأمور سياسية ومصالح عامة النفع.
ومنها: طلب القائد الغزوانى الموسوى عدم مرور الركاب العالى ببلادهم لكونه رجا إصلاح إخوانه الذين خرجوا عليه بحسن السياسة ومرور المحلة ببلادهم تروعهم وتشردهم وتنفرهم، فتبطل طريق السياسة التي سلك معهم ويحتاج الأمر إلى إرغامهم للرجوع للجادة وذلك يؤدى إلى ضياع أموال ونفوس، فرأى أن المصلحة في إسعاف رغبة الجميع وجبر خواطرهم، حسبما وقفت على ذلك كله في ظهير مولوى أصدره المترجم للسراج المذكور بتاريخ ١٤ رمضان المذكور، فسار من مراكش لقبيلة السراغنة، ثم البروج، ثم كيسر من بلاد تامسنا، وهنالك اتصل به خبر ثورة الغوغاء من أجلاف رعاع أهل فاس الدباغين على أمين المستفاد بها أبي عبد الله محمد بن المدنى بنيس ونهبهم لداره وأمتعته وهمهم بقتله لولا أن الله عصمه منهم بالاختفاء عنهم في الحمام.
وذلك أنه لما تقررت بيعة المترجم بعاصمة فاس أُزيلت المكوس التي كانت موظفة على الأبواب والأسواق، ومن جملتها ما كان يؤدى إلى بيع الجلد، وكان الأمين المفوض في ذلك هو أبو عبد الله بنيس المذكور، وكانت له عند السلطان والد المترجم يَدٌ ومكانة مكينة لما اتصف به من رجحان العقل والإصابة في الرأى وعدم التداخل فيما لا يعنيه.