للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم في يوم الجمعة ثالث شعبان اجتمع بنيس الأمين ببعض من كان مرشحا لقبض الوجيبة المتحصلة من فندق بيع الجلد، وكان من أهل النسبة الطاهرة، فأظهر له الضعف وشدة الفاقة، واقترح عليه ترجيع المكس على سوق الجلد ليستعين بما كان يستفيده من الأجرة على ذلك، وأكثر الإلحاح وشدة الاضطرار، فرق له بنيس وواعده بالرجوع لذلك المحل في العاجل القريب.

ثم بعد مفارقة الشريف له استشار بنيس بعض أصدقائه وهو الشريف المفضال سيدى الفاطمى الإدريسى، وكان ذا إصابة في الرأى فحذره وأنذره وأشار عليه بإرجاء الطالب الملح إلى مقدم صاحب الترجمة، ولا تحدث نفسك بالإقدام على شئ ولو قل، فإن عاقبته محققة الضرر.

فتحقق صدق مقال المستشار وصمم على أن لا يفعل هذا، والطالب لم يزل مُجدًّا في الطلب مكثرًا في الإلحاح والترداد إلى أن واعده وعدًا غير مخلف، ونبذ التحذير والإنذار وراءه ظهريا {... لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ... (٤٤)} [الأنفال].

ولما سمع بذلك الدباغون توجهوا لعامل البلد السيد إدريس السراج، وقصوا عليه القصص، فأشار عليهم بالتوجه للقاضى الشريف العلامة مولاى محمد - فتحا - بن عبد الرحمن العلوى، فتوجهوا إليه وطلبوا منه أن يعين لهم من يقيد لهم بيع الجلد بالفندق فأمرهم بأن يختاروا لأنفسهم من يصلح لهم وهو ينفذه لهم، فاختاروا ستة بعد أن فاوض بعضهم البعض فيمن يصلح لذلك.

ولما علم بذلك بنيس توجه إلى القاضى المذكور، وسأله عن السبب في تعيين الطلبة للسوق المعدة لبيع الجلد، فأجابه بما ذكر، فقال له بنيس: إنى أريد أن أجعل نصف موزونة للمثقال تكون تؤدى عن البيع، فحذره وأنذره وذلك يوم الجمعة عاشر شعبان، فانتصح الأمين، والتزم أن لا يعود للكلام في هذا الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>