وسار المترجم إلى العاصمة المكناسية وأقام بها إلى أن قضى أيام عيد المولد النبوى، ووفدت عليه بها الوفود من فاس والعدوتين ومراكش وما والى ذلك لأداء مراسم التهانى، فغمر الكل بإنعاماته الضافية، وأحسن وبذل، وأمر الحاج محمد الصفار عامل فاس بإصلاح قنطرة سبو، وأعطاه ما ينفقه في سبيل ذلك.
وفى يوم الاثنين ثامن عشر من ربيع الأول نهض لمراكش وفى يوم السبت خامس عشرى ذى القعدة من العام نهبت قافلة بباب الجيسة أحد أبواب فاس، ثم نهبت قافلة أخرى، ثم أغار البربر على سرح أهل فاس.
وفى أواخر ذى القعدة من العامة ورد كتاب من صاحب الترجمة على أهل فاس يعلمهم فيه بمبارحته لمراكش بقصد رتق ما انفتق من أمور الرعية.
وفى عام ثلاثة وسبعين ومائة وألف عزل القاضى أبا فارس عبد العزيز العبدلى لسلوكه في خطته غير الجادة، كما سنوضحه بعد، وكان كلما عزل قاضيا عن مصر ألزمه الخدمة ببابه، والوقوف مع كتابه، ويوجههم مع الشكاة لعمال القبائل كل واحد يتوجه بشكايات قبيلة لعاملها هذه خدمتهم كما قال الزيانى.
وفى صفر عام أربعة وسبعين ومائة وألف نهض من مراكش قاصدًا مكناس، ولما حل به وجه الودايا جماعة من عجائزهم يتشفعن لهم عند جلالته، فلقيهن بسايس وجهته لفاس، ولما مثلن بين يديه بكين وناشدنه الرحم، فرق لهن ووصلهن وأمر بإركابهن إلى أن يصلن لأهلهن.
وسار إلى أن خيم بالصفصافة فخرج لاستقباله أهل فاس على اختلاف طبقاتهم، وكذلك الودايا، فقابلهم بالبشر، ولم يظهر للودايا ما يشعرهم بما يكنه صدره نحوهم، ومن الغد أخرج أهل فاس طعام الضيافة على العادة المألوفة لديهم، فأمر المترجم بتعمير المشور بدار دبيبغ، وأمر بإدخال ذلك الطعام إليها،