القهر والغلبة، وأحاط بهم جيوشه إحاطة السوار بالمعصم، واقتحم عليهم معاقلهم ومحال منعتهم، إلى أن دخل فم الخنيق أول بلاد بنى مجيلد وقبض منهم على عدد وافر من المساجين، بعد أن ترك قتلاهم صرعى للذئاب والنسور مرعى، ولما بارت منهم الحيل وعجزوا عن المقاومة والدفاع وحاق بهم سوء ما عملوا، ورأوا أنه لا منجى ولا ملجأ لهم، قدموا طاعتهم صاغرين وأتوا بصبيتهم ونسائهم متشفعين، وعما اقترفوه بالتوبة النصوح معلنين، فقبل توبتهم وعفا عفو قادر عنهم، وذلك منتصف محرم فاتح عام واحد وتسعين ومائتين وألف.
ثم رجع للعاصمة المكناسية وأقام بها، وفى يوم الاثنين ثالث ربيع النبوى منها ظعن لفاس، ولما خيم بضفة وادى النجا خرج لاستقباله لفيف من الأشراف والموظفين والأعيان والكبراء، فأكرم وفادتهم ومثواهم وهش وبش فسروا واستبشروا، وفى صبيحة يوم الخميس سادس ربيع المذكور حل بها وكان ذلك اليوم يوما مشهودًا وفدت عليه فيه للتحية وتقديم مراسم التهنئة المؤذنة بإخلاص الطاعة الأشراف والعلماء والأعيان ومن بها من الجنود على اختلاف الطبقات، وأقام بها حفلة عيد المولد النبوى ووفدت عليه فيها وفود أعيان القبائل مع قوادها بالهدايا ذات البال وفق العادة المألوفة والعرف الجارى.
وفى يوم الخميس -على ما في بستان السباعى والذى في الاستقصا يوم الثلاثاء- رابع ربيع الثانى من السنة أمر المترجم أمينه أبا العباس أحمد بن شقرون المراكشى بترتيب الوظيف المرتب على أبواب فاس وأسواقها وفق ما كان في حياة والده، وذلك أواخر شوال العام، فثقل ذلك على الدباغين ومرضوا فيه وأعلنوا بالتمرد والعصيان، وخلع ربقة الطاعة من أعناقهم، إذ أعجبتهم كثرتهم، وامتنعوا من أداء الوجيبة الواجبة عن بيع الجلد، وآل الأمر إلى إشهار السلاح والمبارزة والكفاح والصعود إلى المنارات المطلة على المدينة البيضاء فاس الجديد، ورمى المارة بالسبل الموصلة إليه، وصار الرصاص يتساقط ببطحاء أبي الجلود.