نافذ الكلمة مطاع الأمر عند غياثة، فلم ينجح في مسعاه، وصمم المترجم على إعادة شن الغارة عليهم واجتثات عصيانهم من أصله.
فنهض لقتالهم بنفسه صبيحة الغد وهو يوم الجمعة السادس والعشرين من الشهر في شقة بين جبال وعرة المسالك، لا يأمن من لم يكن من أهلها من المعاطب والمهالك، وقدم أمام جيوشه الجرارة المدافع والمهاريس واقتحم الشقة وكانت القبيلة قد تأهبت للقتال، واحتاطت الاحتياط اللازم للأهل والأولاد والأموال، وتناوش الفريقان القتال ودامت المناوشة بينهما إلى أن توسطت المحلة الجبال قاصدة قصبة القلعة لظنها أن جموعهم بها مجموعة، والحال أنهم وضعوا الكمائن ورصدوا الرواصد وشحنوا الكهوف والأنقاب بالرماة، ولم يتركوا غير منفذ واحد يفضى إلى مهواة متلفة، فلم تشعر الجنود المخزنية، إلا ونيران أفواه المكاحل تلتهب، والرصاص كهاطل الأمطار من سائر الجهات وبالأخص من خلفها.
فاشتد الخطب وامتلأت القلوب رعبا، وكثر القتل وعظم المصاب، وألجأ العدو المحلة إلى شعبة بوقربة وهى المعروفة بالشقة فتعذر الرجوع، وعلا الغبار وتكاثف، حتى أظلم الجو وصار الإنسان ربما لا يميز من بإزائه، وأصاب الناس هول عظيم، وتساقط القوم رجالا وركبانا في تلك الشقة، وكلما سقط واحد ظن الذى وراءه أنه قد وجد مسلكا فيتبعه وهكذا إلى أن امتلأت الشعبة بجثث الأموات من الآدمى والدواب.
وظل الناس يومهم يمرون عليهم بالخيل والأرجل وهم لا يعلمون، ولما كان العشى سكنت الفتنة وقام من بقى يبحث عن السلطان، فألفى في الشعبة مع حاجبه أبي عمران موسى بن أحمد من غير أن يعرف واحد منهما صاحبه، فأخرجوهما بعد عناء، وكان ممن تولى إخراجهما قواد مسخرى الجيش البخارى