وصادفت إشارته من المترجم قبولا حسنا ليقضى الله أمرًا كان مفعولا، وجعل طريقه وفق ما أرادوا، فقامت غياثة بواجبات تموين المحال وفق المعتاد والمألوف أتم قيام وأكمله، وذلك في المرحلة الأولى والثانية، ولما كانت المرحلة الثالثة من إيالة باشا تازا وهو إذ ذاك محمد بن الطاهر الدليمى المتولى بعد عاملها المعزول عبد الرحمن الزرارى، تأخر الإتيان بالتموين ولوازمه عن وقته المعتاد لظنهم أن المترجم لا يمر بهم، وحملوا أعلام العامل الصادر لهم قبل بذلك على الكذب، وأنه إنما أراد جلب ذلك لنفسه. وضمه لكيسه.
فتهاونوا حتى رأوا الجنود المولوية تضرب أخبيتها وتحط أثقالها بالمحل المعروف بذراع اللوز، فعند ذلك قاموا على ساق في أداء اللازم فلم يتيسر لهم الإتيان بذلك في إبَّانِهِ.
وكان بينهم وبين العامل انحراف باطنى، فاغتنم فيهم هذه الفرصة وبلغ للمترجم عنهم ما أوغر صدره عليهم وأوجب همه بزجرهم، وتسنى للعامل المذكور إلقاء القبض على كل من يأتى منهم بمئونته، فكثر الضجيج فيهم، وصار من انفلت منهم يخبر الجائى بتأسد العامل عليهم، ويهول لهم بحالة المقبوضين، فيرجع بما أتى به، ولم يجئ أحد بعد، فثار غضب المترجم وأيد العامل بدعواه، واعتقد أنه بلغ فيهم مقصوده، فوجه لهم لفيفا من الجيش باغتهم به وذلك يوم الخميس الخامس والعشرين من الشهر المذكور.
فاقتحم ذلك اللفيف عليهم حصونهم المنيعة، وسقوهم كأس المنون، وهدموا ما لهم من الدور، وأطلقوا النيران في الزرع والخيام وقطعوا الرءوس، وتركوهم يختالون في أردية الهوان والبؤس، ورجع الجيش ظافرا غانما.
ولما رأى الشريف المعتقد أبو العلاء إدريس الوزانى المعروف بزين العابدين زيادة، اشتداد غيظ السلطان عليهم حاول إرضاءه عنهم بإظهار الحقيقة له، وكان