ثم نهض منها ووجهته مراكش، فمر في طريقه على قبيلة زمور الشلح، فرباط الفتح، فزعير، وأدركه عيد الفطر بالمحل المعروف بصخرة الدجاجة من بلاد تادلا، وهنالك أقام سنة عيد الفطر طبق العوائد الملكية، ومن ثم سار لبلاد السراغنة، ثم الرحامنة، ثم مراكش.
وفى هذه الحركة وهى السابعة لبى داعى مولاه الفقيه أبو عبد الله محمد الصفار التطوانى وزير الشكاية، وولى مكانه العلامة أبو الحسن على المسفيوى، وبعد أن استراح المترجم بالحضرة المراكشية وجه من ألقى القبض على القائد انفلوس الحيحى وانفلوس لقبه -ومعناه بالسوسية الرئيس - وهو القائد أحمد النكنافى الحيحى الشهير الذكر، وبمراكش أقام سنة عيد الأضحى.
وفى رمضان عام تسعة وتسعين ومائتين وألف نهض من مراكش ووجهته قطر سوس الأقصى، حيث إن الإصبان تشوف لتملك بعض المراسى السوسية منذ انعقاد الهدنة الواقعة عقب حادثة تطوان الآتى شرحها بحول الله، وزعموا أن تلك الناحية لا تنفذ فيها الأوامر المخزنية ولا تعترف بأنها من الإيالة (١) السلطانية، وأشاع ذلك وأذاعه، ثم بعد ذلك طلب من المترجم الإذن له في البناء ببعض تلك الشواطئ نظراً لما ذكرنا من إشاعاته، ولما لم يجب لذلك هَمّ بالخروج لتلك الناحية، فعند ذلك عزم المترجم على التوجه لذلك القطر وحسم مادة أطماع الطامعين بفتح مرسى بوادى نول بالمحل المسمى آساكا، بأرض قبيلتى تكنة وآيت. باعمران.
ولا سيما عندما بلغه أن ذلك الجنس فتح مع أولئك البسطاء أبواب البيع والابتياع، وصارت مراكبه الحربية والتجارية تكثر التردد لتلك النواحى وتستهوى أصحابها بالتجارة والأرباح الزائدة وتستفزهم ذلك.
ولما طرق سمع القواد ورؤساء الأجناد والقبائل ما همَّ به المترجم من الحركة للقطر السوسى، طلبوا لقيه والمثول بين يديه، فلبى طلبهم ولما مثلوا بين يديه قرروا له ما يعانيه أهل ذلك القطر من الشدة والاضطرار والفاقة وتفاحش الغلاء والقحط
(١) الإيالة: الوادى. وقطعة من أرض الدولة يحكمها وال من قبل السلطان.