ثم إن ولدها بعد رجوعه من الحج أخبر بأنه كان مارًا في زقاق من أزقة مكة المشرفة يوم النحر، وإذا برجل جبذه من ثيابه فلما التفت إليه قال له: خذ هذه الآنية بما فيها فأخذها ظنا منه بأنه من أهل مكة، ثم لما رجع لرفقته بمحل نزوله متأبطا لما ذكر وأخبرهم بالواقع، وأنه بمجرد ما سلم له الرجل الآنية غاب عنه، ولم يدر أى فج سلك، وأنه جزم إذ ذاك بأن الرجل ليس من أهل مكة، وأنه ولى كان أولياء الله تعالى خصه بذلك فضلا منه سبحانه، وأن تلك الآنية بعينها تركها بداره بمكناسة عند والدته فسخروا منه وعدوا مقالته من هزل القول، وقالوا له: إنما تلك فضلة فضلت عن عيال الرجل فخرج يتصدق بها فصادفت أمامه فأعطاك إياها، فانتظر مجيئه في طلب الآنية، فلم ير للرجل بعد أثرًا.
ثم بعد أوبته من الحج أخبرته أمه بحقيقة ذلك، وقصت عليه القصص فصدق لها الواقع بإخراج الآنية وشاعت القضية بين أهل البلد وغيرهم، وزاعت وازداد حسن اعتقاد جميع الناس في المترجم، وأن المترجم كان يدخل لسائر دور أهل البلد من غير استئذان وبالأخص دور الحومة التي فيها مدفنه اليوم، ويقابل عند الكل بكل تكرمة وإجلال لحسن اعتقادهم فيه ورغبتهم في نيل بركته، وأنه كان يصبح كل يوم في حلة بيضاء ناصعة فيروح بها كأنها ثوب زيات ولم يدر من أين تصاب له بذلك ولا ما يعمل حتى تصير على ظهره كالليل الحالك إلى غير هذا من أنواع الكرامات، الخارقة للعادات.
وقد علم وتقرر أن كرامات الأولياء ثابتة كتابا وسنة وإجماعا، فلا يستغرب هذا وأكثر منه في جانبهم رضوان الله عنهم.
٢٣١ - محمد بن محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن جابر الغسانى الأصل.
٢٣١ - من مصادر ترجمته: كفاية المحتاج ٢/ ١٩٤، نيل الابتهاج ٢/ ٢٣٩.