حتى تصير لديهم من الضروريات، وقصده بذلك صيروتهم على بال مما جمعته من مكايد الحروب والكر والفر وتدبير نزول الجيوش والأخذ بالأحوط في ذلك، وكيفية الهجوم وافتتاح المحاربة، وعقد الصلح والمهادنة، وترتيب الشروط، وتعلم الإقدام والمخاطرة، وإدراك المراتب بالمزايا زيادة على ما في ذلك من إعانة العسكر على السهر للحراسة وغير ذلك.
ومن المقرر المعلوم أن المحاجات والأسئلة والأجوبة تحد الذهن وتذكى العقل وتعلم الصغار التحيل في الكلام واختيار ما يأتى وما يذر. وحكايات مجالس الحكام والوزراء لها أثر كبير في ردع رؤساء الدولة واحتياطهم في أحكامهم وتأنيهم في قضاياهم خشية أن ينقل عنهم ما يشين فيفتضح غرضهم، وهذا أمر محسوس في الأدب والتربية، ومن لم يكن يحفظ فصولا عدة من تلك الأحاجى والروايات لا يعد من عبيد البخارى الأحرار.
استطراد: أما مدينة المهدية فهى من جملة مدائن يفرن في القديم، انتزعها من يدهم أمراء برغواطة وعَمّروا ساحتها ببنى حسن الذين هم بها لهذا العهد بالضفة اليسرى من وادى سبو، وخربوها فيما خربوه من المدائن.
وفى سنة أربع وأربعين وثلاثمائة جدد بناءها جوهر الصقلى، ولما أنزل يعقوب المنصور الموحدى العرب من رباح الهلاليين ببلاد الهبط أنزل بنى مالك منهم على الضفة اليمنى من النهر المذكور، وجدد بناءها وجعلها مركزًا لرياسة العرب الهلاليين، فأعاروها جانبا من البداوة وبقيت على حالها إلى أن هدمها أسطول صاحب برشلونة سنة ثلاث وستين وستمائة، وبقيت على خرابها إلى أن نزل بها البرتقاليون سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة فشرعوا في تحصينها، وبعد ثلاث سنين أخرجهم منها أبو عبد الله الوطاسى.
ثم في سنة ثلاث وثلاثين وألف استولى عليها الإصبان وحصنوها وعمروها