فوقع لهم بعد الخروج مثل ما وقع لهم أولا عند الخروج من قادس، واضطروا للرجوع لمرسى مالطة، وبقوا هناك ثلاثة أيام كان يتردد عليهم فيها كبار المدينة يهنئونهم بالسلامة ويدعونهم للعودة لمحلهم، ثم ساعدت الرياح فسار بهم المركب إلى نابولى، فلما وصلها أرسل صاحبها (الملك فرناند الرابع) أحد الأعيان عنده للسلام على السفارة وإبلاغها اشتياقه لرؤيتها، وأن الحجر الصحى ساقط عنها، ودعاها للنزول من يومها، ولكنها تأخرت للغد، وفيه جاءت الزوارق تحمل الأعيان ونواب الملك لإنزال السفارة، ولما نزلت من مركبها أخرج مدافعه تحية لها، ووجدوا على ساحل المدينة أفواج الخلائق مصطفة فركبوا في الكدش الخاص بهم وتقدمت أمامهم طائفة من خيل الخاص بالمير مصلتة السيوف تفسح لهم الطريق الممتلئة بسكان المدينة.
فما وصلوا لمحل النزول حتى كادت الشمس تزول، وكانت هذه الدار قد أعدت لهم قبل وصولهم بنحو ستة أشهر لما سمعوا بقدومهم، فلما وصلوها وجدوا العسكر مصفوفا ببابها لأداء التعظيم، وتلقاهم فيها أحد أرباب الدولة بعثه الأمير لينوب عنه في إعادة سلامه على السفارة والترحيب بها، ثم طاف بها على الدار يريها ما احتوت عليه، وقدم لهم ثلاثة أطباق كبار فيها فاكهة وحلويات يحملها ستة من الأسارى المسلمين الذين هناك هدية من الأمير، فتقبلوها شاكرين، وأشاروا إلى رغبتهم في إلحاق الحامل بالمحمول، فأجيبوا لذلك فكان فاتحة عملهم هناك.
ثم ترادف للسلام عليهم الأعيان والأكابر وأرسل لهم الأمير خمسة أكداش لتكون مركوبهم، وعدة من الخيل العتاق المذهبة السروج المهداة إليه من الملوك،