للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راجت إشاعة في البلد مضمنها أن السفارة جاءت لإحداث ثورة بدليل أن الأسارى إذا سرحوا لا يذهبون بل يجمعون، وأن الأدب المعهود منهم انقلب إلى غلظة، وأن السفارة تنتظر ورود خمس مراكب بحرية، وكان قد سبق قبل هذا بمدة أن اتهم الأسرى بمحاولة الثورة فلم يسع حاكم الجزيرة حينئذ إلا أن أرسل للسفارة يطلب منها ألا تبقى أولئك المسرحين في البلاد أكثر من ثلاثة أيام قطعا للقيل وتجنبا للكلام، وبعث من اكترى لهم المراكب، وبعد ثلاث ركبوا البحر في مركبين أحدهما سار لبنى غازى والآخر لطرابلس وكان عددهم نحو المائتين وخمسين، ثم وقع افتداء أسارى آخرين بلغ بهم العدد إلى ستمائة وثلاثة عشر، واكترت لهم السفارة المراكب فسار بهم أحدهما لطرابلس، والآخر لصفاقص، والثالث لتونس بين زغاريت النساء ودعوات الرجال والأطفال.

وقد كانت جماعة منهم تستخدم في مراكب الجزيرة، فما شعر القوم إلا وقد شملهم الفداء فأرادوا نقضه لما يؤدى إليه من تعطيل مراكبهم، وحصل الشجار بينهم وبين الوكلاء على ذلك، ثم تداخل كبيرهم في القضية ومضى الفداء وأحصى الباقون من الأسارى المسلمين فكانوا سبعمائة وبضعا وعشرين، تكلمت السفارة مع أصحابهم في قدر فدائهم وبعثت بتقييدهم للسلطان المترجم عسى أن يضيفهم إلى إخوانهم مشيرة عليه ببعث مال الفداء لكبير الجزيرة.

ثم استعدوا للسفر، وعين لهم صاحب الجزيرة وقت الوداع فذهبوا إليه فيه على الهيئة المتقدمة وتلقاهم آخر كما تلقاهم أولا فشكروه على وقوفه معهم في ذلك الفداء وودعوه، وكان يبعث إليهم في مدة مقامهم لحضور الحفلات بقصره، ويريهم ما اشتمل عليه.

وفى سابع شعبان من السنة بعد ذلك بثلاث أيام ساروا للمرسى في الأكداش مع الأعيان المودعين، وركبوا في السفينة التي قدموا عليها قاصدين نابولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>