للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن الطالب الملح توجه للفندق من عندية نفسه وجلس ليقبض المكس فثار الغوغاء وسفلة الأخلاط من الدباغين وتجمهروا، وذهبوا لدار الأمين المذكور لعرض ما ذكر عليه وذلك يوم الأحد ثانى عشر شعبان من السنة، ولما وصلوا لباب داره وجدوا أحد عبيده جالسا هنالك فسألوه عن سيده بلهجة قوية وحالة مرعدة فسبهم وشتمهم وسد الباب في وجوههم ودخل الدار وأخرج مكحلة وأطلق عمارتها في الهواء ظنا منه أنهم ينزجرون بذلك وتتفرق جموعهم الفاسدة، فوجد النهاب السبيل لما أرادوا وتلاحق اللاحق بالسابق وتسلح القوم، واجتمع الغوغاء من كل حدب وصوب، وصمموا على الهجوم على الدار.

ولما كثر الهرج والمرج أتى بعض الجوار بسلاليم ونصبها وراء الدرب، وطلب من نساء بنيس أن يخرجن لداره خوفا عليهن من الفضيحة، وأوعز إليهن أن يصبحن معهن ما لهن من الحلى والمجوهرات والذخائر النفيسة الخفيفة الحمل الغالية الثمن، فأَبَيْنَ ذلك وامتنعن من الخروج، فما شعرن إلا وباب الدرب انفتح، وأبواب الدار تكسرت والضجيج بالغ حده ونيران الفتن تتقد فطلع النساء إذ ذاك للسطوح وألقين بأنفسهن لدور الجوار، ودخل النهاب الدار واستولوا على ما بها من النفائس والذخائر والأموال، واستأسدت الذئاب وفقد القوم الشعور، حتى صار المضروب لا يبالى بمن ضربه، ولا يلتفت المجروح لمن جرجه، وهاجت الفتنة بالمدينة وماج الناس بعضهم في بعض وخصوصًا بالقطانين والعقبة الزرقاء.

ولما اتصل الخير بقاضى الحضرة الفاسية المذكور ركب بغلته وقصد دار بنيس ظنا منه أن أولئك الغوغاء الأخساء يقيمون له وزنا وينصتون لمقاله، ولما وصل الدار لم يلتفت إليه أحد، ولا وقع بصره على من يعرفه وهو بوسط الدار يطوف على جموع تلك الطوائف الضالة الفاقدة للحياء والسمع والبصر، حتى كادت نفسه أن تتلف وهو يعظ ويذكر ويحذر وينذر، فلم يجد ذا أُذن واعية، ولا من له قلب يعقل به حتى غشى عليه من شدة الازدحام، وكاد أن يسقط على الأرض وتدوسه

<<  <  ج: ص:  >  >>