فلما وصل هذا الكتاب للملك سر به وأمر في الحين بإطلاق الأسارى الذين بحضرته وبعث بهم للمترجم، وأخذ يبحث عمن بقى من أسارى المغرب متفرقا في بلاده، وأجاب بتلطف وتودد وتحبب ورغب في المهادنة مثل ما وقع لمن تقدمه من الدول.
فلما وصل كتابه للمترجم بذلك وقع منه موقعا حسنا، وأمر على الفور بمقابلة الجميل بمثله، فأطلق لملك الأسبان سراح جميع الأسارى الإسبان، وقدم له اثنين من رجال الدين عندهم كانا أسيرين منذ مدة، وبعث له بعدة من الأسود هدية، وكتب له كتابا بذلك ووعده بالمهادنة وسراح أسارى من غير جنسه، لتكون له بذلك مزية على غيره من الدول، وإشارة لما ينبغى من عدم التفرقة بين أسارى المغرب وأسارى غيره من بلاد الإسلام.
ووجه الجميع على يد حاكم سبتة، فلما وصل ذلك للملك سر بذلك كل السرور وشمر عن ساعد الجد، وهيا هدية بالغ فيها غاية الجهد، وبعثها مع كبير الرهبان وبعض الضباط، وأصحبهم كتابه مع السفن لحمل الأسارى الذين سرحوا، والفرقة الموعود بها وطلب من المترجم أن يبعث له ببعض رجال دولته لتكمل بذلك المواصلة ويشتهر أمرها، فأسعفه بذلك وبعث إليه خاليه عمارة بن موسى الأودى، ومحمد بن ناصر الأودى، وأحد كتابه أبا العباس أحمد الغزال، ووجه معهم عدة من الإبل وعتاق الخيل، هدية للملك لما له في ذلك من المحبة والميل.
ولما حان وقت التشييع لقن الكاتب المذكور ما يكون عليه عمله، وأوصاه بتفقد حال بقية الأسارى واختبار أمورهم، وأعطاه صلة أنعم بها عليهم، وأمره أن يحصى كل واحد باسمه ولقبه، واسم رئيسه ومركبه، وتمييز الحامل لكتاب الله من غيره ومواعدة الجميع بخير، وأمره بتقييد ما يلقى في رحلته، ووصف ما يرى في وجهته، وأحضر سفراء الملك ودفع لهم الأسارى الطاعنين في السن من غير