وذلك أن بعض أهل الاعتداء، الذين سلبهم الله نور الاهتداء، من تجار السوء، الذين ما منهم إلا من بالخزى يبوء، وَشَى ببعض العدول للسلطان أمير المؤمنين سيدى محمد بن عبد الرحمن، وأظهر من الضجر، ما هو شأن من ظلم وفجر، حتى قال: إننا أصبحنا على النفس والمال غير آمنين، فأذن لنا بالرحيل قبل أن نغدو من الهالكين، فصدق السلطان ما اختلقوه من الافتراء، وأمرهم بأن يختاروا لأنفسهم من يرضون من الشهداء.
فكان ممن لم يقع عليهم الاختيار، صاحب الترجمة كغيره من الأخيار، فانتقل لمراكش ومكث بها نحو عشرة أعوام، ملحوظا معظما بين فضلائها الجلة الأعلام، وابتهجت به تلك البلاد، ونفق فيها سوق العلم والأدب بعد الكساد.
ثم بعد أن قطع الله دابر أولئك المبطلين، وكفى الله شرهم المؤمنين، آب لبلده ورجع إلى خطة العدالة، ثم رغب عنها وصار يراها أعدى له، وكان كثيرا ما يقول: كل الناس عدول إلا العدول.
وهو من بؤس المعيشة في شدة، ليس له على نوائب الدهر من عدة، راض من العيش واللباس بما خشن، معرض عن زهرة الدنيا وكل ما لبنيها فيها حسن، مقبل على الله في الخلوات والجلوات، يختم في كل يوم ختمة من دلائل الخيرات، طريقته عيساوية جزولية، سالك فيها ما وافق الحنيفية، يبغض بالطبع ما أحدثه من البدع رعاع الأتباع، وشوهوا به وجهها في سائر البقاع.
مشيخته: منهم السيد الحاج المهدى ابن سودة، والسيد العباس ابن كيران، وكان قارئ مجلسه، وأبو حامد سيد العربي بن السائح الشرقى آتى الترجمة، وشيخ الجماعة في وقته السيد مبارك بن عبد الله الفيضى، والعلامة المتبحر في علم المعقول السيد العربي بصرى المدعو قطيطة، وغيرهم من نقاد الأعلام.