ولو استقام دين العامة لاستقام أمر دنياهم فينبغى، للعاقل إيثار أهل الدين على الدنيا، ففى محض حق الله تجب المبادرة، وفى الشمائل: كان - صلى الله عليه وسلم - لا يغضب لنفسه إلا إذا انتهكت (١) محارم الله فلا يقوم لغضبه شئ.
فمن وفقه الله للاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد رشد واهتدى، ومن حاد عن سبيله فقد غوى واعتدى، فإنه عليه السلام تركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا شقى، وليجعل أموره كلها جارية على الكتاب والسنة ويسأل العلماء عما لم يعلم، ويرفع القضايا الشرعية للقضاة، ويأمرهم باختيار الشهود أهل العدالة والدين، ليتم له من ذلك ما أراد، ومن ظهرت عليه جرحة في شهادته ينكل به ويمنعه من الشهادة لينزجر به غيره، وتجرى أمور الشرع على مقتضاها، فإن بصلاح الشهود تستقيم أمور الشرع؛ لأن بهم عصمة الدماء والأموال والأنساب.
وصلاح الشهود بصلاح القاضى، وصلاح القاضي بالعلم والتقوى والورع ومعونة العامل على تنفيذ أحكامه، فمن قام بهذا من العمال فقد نال رضا الله ورسوله ورضانا، وفاز بخير الدارين، فإن بالعدل ثبات الولاية وملاك أمرها، ولا يتم ذلك إلا بمشاورة الصلحاء والاهتداء بهديهم، فإن مصاحبة الأخيار، ترفع الأقدار، وتبلغ منازل الأبرار، وقد قيل: والله ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح ولا يقال فسد الزمان وقل أهل الدين، وفقد الناصر والمعين، فإن من قام بالله وجد في إقامة شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعزمة صادقة رزقه الله المعونة على ذلك، والتوفيق لسلوك تلك المسالك، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز.
ومن حاد عن هذا السبيل من العمال وقصر في نصح رعيته ولم يحملها على أفضل الأخلاق والأعمال فقد تعرض لسخط الله ومقته، وحلول العقوبة المعجلة به ولا يلوم إلا نفسه، ولا يضر إلا رأسه.