واستعمالاً لذلك في وجوهه الشرعية والقومية التي يصرف فيها، ومن أجلها وقعت جبايته وتحصيله.
وهل تظن أن إصلاح عربة السلطان والتنصيص على فرشها وإقامتها وكل أجزائها، مهما كان ذلك صغيرًا أو مهم، وذكره في حساب النفقات الخاصة بالسلطان، وجعله في موازنته ليطلع عليه كان لغير معنى أو سبب من الأسباب التي نومئ لها من توخى الدقة والمراقبة التامة على جليل الأشياء وصغيرها مع إحكام النظام والحسابات على نمط يشبه أحدث الطرق العصرية المستمدة من علم الحسابات ومسك الدفاتر وفنون التجارة والاقتصاد.
وهل لك أن تعيرنى سمعك فأحدثك كيف كانت الدولة تسلف التجار والقبائل سواء بالحاضرة أو بالبادية إذا ألمت بهم ملمة مالية أو همت بالوثوب عليهم أزمة اقتصادية على نحو ما نشاهده الآن من صنيع الحكومات الراقية، واعتنائها بمد يد المساعدة إلى الرعية كلما حدث موجب ذلك من شتى الأحداث والنوائب، وقد كان هذا السلف يدفع لأربابه ومستحقيه من غير فرق في ذلك بين أهل البلاد من المسلمين وأهل الذمة من اليهود الذين كانت أشغالهم التجارية متسعة النطاق على ما هو معهود منهم.
وليس ذلك فقط ففى هذه الدفاتر المرتبة المنظمة تجد أنواعا من التراتيب التي كانت تشمل هذا وغيره من الفصول الشاهدة بدقة الحسابات وتنظيم المالية إلى حد واسمع مديد، ليس بعده من مزيد.
وما ورثته عن سلفى من ذلك إنما هو نقطة من بحر، وجزء من ألف، ولو وقع الاحتفاظ بدفاتر الدولة وأوراقها التي فرقت أيدى سبا وأوقدت بها الأفران والحمامات ولفت التوابل في البقية الباقية -وليس ذا ببعيد- لكانت آية إعجاز للرائين والسامعين ومادة أبحاث للباحثين والمؤرخين: