ثم رد لتارودانت قاعدة السوس وولى الإمامة والخطبة بجامعها الأكبر، وتصدر للإفتاء والتدريس بها قائمًا على مختصر ابن الحاجب الفرعى، والشامل لبهرام وغيرهما، صلب في دينه، لين الجانب متواضع، متحمل للأذى؛ صابر على جفاء الفدادين من الطلبة وغيرهم، حسن العشرة، حلو الشمائل، كريم المائدة مبسوطها، مقصود للأرامل والأيتام، مشفق على القوى والضعيف، لا يقدر للدنيا قدرا ولا يستقر بيده شئ منها مع وفور ما ينصب إليه من الجرايات والجوائز.
وحصل له جاه ووجاهة عند الخاصة والعامة، تعظمه الملوك فمن دونها ويقدرون قدره، ويجرون عليه الجرايات التي لم ينلها من قبله، وهو أول من سن إبداء الأفراح بتارودانت في ليلة مولد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبذل النفقات فيها على السنن الشرعى، كان يجمع الناس في منزله ليلة العيد النبوى على قراءة الأمداح النبوية بالأناشيد المطربة، وينفق في ذلك نفقة عظيمة إجلالا وتعظيما ومحبة في جانب خير الأنام صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واهتماما بإقامة موسم ذكرى مولده.
وهو أول من قرأ بها الجامع الصحيح للإمام البخارى قراءة ضبط وإتقان، وأول من خطب بها بلسان عربى مبين وقرط الآذان، بمواعظ توقظ الوسنان، حسن العبارة، لطيف الإشارة، فصيح اللسان، ثبت الجنان، ينشئ الخطيب البديعة الرائقة العذبة، الخالية عن التكلف على حسب ما تقتضيه الأزمنة وما يقع من الحوادث، قال أمير وقته الإمام المنصور في حقه: ليس عنده في المغرب أخطب منه إلا أن الله اختاره لمدينة ترودانت وأن لم تكن كرسى الخلافة.
مشيخته: أخذ عن الإمام أبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الجليل التنسى خطيب جامع تلمسان وعن مفتى تلمسان وفقيهها الفقيه أبى عبد الله محمد ابن هبة الله الزناتى المعروف بشقرون المتوفى سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة، وعن أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن جلال التلمسانى المتوفى ثامن رمضان سنة إحدى وثمانين وتسعمائة، والعلامة المشارك أبى عبد الله اليسيتنى