ومروءة ورزانة، وعفاف وصيانة، يحلم إذا أُوذى، ويجيب بالسيادة إذا نودى، ويكرم نزيله ويواسيه، ويتفقد أحواله ويدانيه، سهل المنال، لين المقال، صاحب همة عالية، ومائدة بأنواع الخيرات وافية، جاهد أولاده في تعليم القرآن والعلم، ودربهم على الاحتراف بالحلم، أشد الخدم اعتناء بخدمة مولاه، راع وحافظ لما تولاه، ناصح فالح، قادح مادح، إذا أطلق عنان القلم في القرطاس، أتى بكل غريبة وحجج مضيئة كالنبراس، لا يتوانى فيما أسند إليه من العمل، ولا يتراخى بطول الأمل، حنكته التجارب والخطوب، وعلمته المحن كل مكروه ومحبوب، هـ مختصرا.
وكان له معرفة بالحساب والتعديل والنحو واللغة والعروض والأدب، منحاش لجانب الله، محب في الصالحين وأهل الفضل والدين، زوار لهم، متطارح على أعتابهم، يحب السماع ويستنعش به ويرتاح له.
وكان في أول أمره ينسخ الكتب ويؤدب الصبيان، ثم انحاش إلى أبى القاسم الزيانى وصار ينسخ له مؤلفاته في الدولة العلوية وغيرها، ثم وقعت بينهما وحشة أوجبت انقطاع المترجم عن الزيانى، ثم عادت الوصلة بينهما على ما كانت عليه قبل حسبما أوضح ذلك الزيانى في بعض كتبه، وهو الذي قدمه إلى سيدنا الجد من قبل إلام السلطان الهمام، مولانا عبد الرحمن بن هشام، أيام خلافته بفاس إثر خمود نار ثورة أهله على السلطان العادل مولانا سليمان ولم يزل يقربه ويصطفيه.
ثم لما جلس على كرسى الخلافة بعد عمه السلطان مولانا سليمان أبقاه من جملة كتبته، بل رأسه عليهم لما رأى من حسن عقله وديانته، ثم استوزره فقام بشئون مأمورية وظيفه أحسن قيام لما أُسند إليه الرياسة، واختص بالتدبير والسياسة، وصار لا يدخل إلا من بابه، ولا تنال الرغائب من غير ميزابه، واستمر