وكان ذا ملكة واقتدار على الاشتغال، يَسُد مَسَدَّ أربعة إذا اجتهدوا، وكان ينبسط إلى الكتاب ويمازحهم قصداً لإدخال السرور عليهم، وكان إذا تحدث مع جلسائه في فن التوحيد أحجم، وقال: كان شيخنا سيدي محمد الحراق يقول:
نحن في شرعة الغرام أذله ... إن أقمنا على الحبيب أدله
ويقول: يكفينا قول من قال: اللهم إيمانا كإيمان العجائز، وكان يقنع فيه بالتقليد ويكره الخوض فيه، ويقول: الخوض فيه مما يوقع اللبس في ذهن العاجز، وكان لا يرى في غالب أوقاته غير كاتب أو مطالع أو فصل، وكان محافظا على الطهارة كلما أحدث توضأ.
قال أبو عبد الله أكنسوس: وجدت بخطه يعني المترجم في ذكر بعض آبائه الكرام محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس ثلاث مرات، فقلت له: ما هذا التكرار؟ فقال: هكذا بخط والدى السيد محمد بن الإمام إدريس ابن إدريس بن عبد الله الكامل، بتكرير محمد بن إدريس في عمود آبائنا تبركا بالجد المذكور، قال: فقلت لوالدى: هذا النسب صحيح؟ قال: هكذا كان آباؤنا ينتسبون، وكانت عندهم ظهائر الملوك المتضمنة التعظيم والاحترام، وضاعت لهم في بعض الفتن الواقعة في باديتهم بعد انتقالهم لفاس هـ.
قال: وكان مقام سلفهم بقبيلة زمور من بني عمرو منهم من عهد قيام مغراوة على الأدارسة واختفاء الأدارسة في أغمار القبائل هـ.
قلت: وقد وقفت على تحليته وذكر نسبه وبعض آبائه في رسوم أنكحة بعض أولادها هكذا: "العالم العلامة، الصدر المكين الدراكة الفهامة، الوزير الشهير، الأديب الكبير، الذي نظم درر الفصاحة في أسلاكها، وضم درارى الأدب في أفلاكها، وأسكت كل لسان ببلاغته وأعجزه وأخجل، المرحوم المنعم بفضل الله عز وجل، سيدي محمد بن الفقية الناسك الأجل، الواعظ المحدث المبجل، سيدي إدريس بن الخير الأرضَى، سيدي محمد بن المكرم المرتَضَى، سيدي إدريس بن سيدي التهامى بن سيدي على بن سيدي محمد بن البركة الشهير الشريف المكين