ثم رشح للصدارة العظمى بعد وفاة ابن عمه المذكور وذلك فاتح عام ثمانية عشر، ثم عزل أواخر ذى الحجة من السنة المذكورة، وأخرج من مراكش وسلب مما كان خرج به من ماله بعد مبارحته بأهله لها، وذلك أنه رجع يوما من دار المخزن في موكب وزارته فوجد كل ما بداره محمولا والنساء ينتظرنه بالباب، وكتيبة من الخيل في انتظار وروده لتذهب به لمكناس، فأركب نساءه وسافر صابرا محتسبا، ومن الغد أدركته كتيبة أخرى بالطريق وفي معيتها مكلف من قبل المخزن للإتيان بجميع ما خرج به من مال ومتمول، فسلب من ذلك كله على وجه التعنيف والانتقام.
قيل: أخذ له من خصوص الناض ستون ألف ريال، وصدرت الأوامر المخزنية في اليوم نفسه لفاس بإحصاء جميع ما لديه بها وحيازة ذلك لجانب المخزن منفذ الأمر المصادر، وهو في ذلك كله يقرأ قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ... (٢٦)} [سورة آل عمران آية ٢٦] الآية ولما وصل رباط الفتح أنزله عامله على يده ومنعه من التوجه لمكناسة، وبقى في حكم الاعتقال بالرباط مدة، ثم غريب لتطاوين تبكيتا له، وأقام بها مدة ينشر العلم، ثم أذن له بالتوجه لبلده مكناسة، ولما حل بها أقبل على نشر العلم وبثه في صدور الرجال غير مبال ولا مكترث بما امتحن به من العزل وسلب بعض أمتعته.
ثم في أول تسعر نيران الفتنة البربرية في الدولة الحفيظية وذلك في ربيع الأول عام ثمانية وعشرين وثلاثمائة وألف، سلبه البرابر بمقربة من فاس جميع أمتعته وأثاثه، ولم يتركوا له ولا لعياله وصغار أطفاله زائدا على ما يستر العورة المغلظة، حيث إنه كان قادما من فاس لمحل استيطانه بمكناس بعد أن باع كل ما كان له بفاس من العقار وما لا يحتاج له من الأثاث، فرجع لفاس على حالة تخجل المروءة والإنسانية، وأقام بها مدة، ثم رجع لمكناس وأقام بها إلى أن وافته منيته، وقد كف بصره في آخر عمره رحمه الله فصبر وشكر.