وكان في أول أمره منعزلا عن الناس، مشتغلا بعبادة ربه في خلوة بعيدة عن رهطه وعشيرته ثم في بعض الأيام خطرت بباله مسألة اعتقادية حيرت ذهنه وعسر عليه فهمها، فرحل لفاس بإشارة من بعض أهل الخصوصية الربانية، ولازم العلامة الصالح الحاج محمَّد جنون مختصر الرهونى، ومن عجيب الاتفاق أنه أول ما حل بفاس حضر درس جنون المذكور ووجده يقرر المسألة التي أشكلت عليه، وكانت سبب رحلته فلازمه مدة حتى مهر وحصل غاية منيته في فنون شتى، ثم رحل لبلده وتصدر للإفادة وأقبل على التدريس، وأسس زاوية لإلقاء الدروس، وإفادة الناس، فاشتهر صيته، وأقبل الناس عليه من كل صوب.
ثم مر السلطان المولى الحسن في بعض حركاته على زاويته فلقيه واعتنى بشأنه ورفع المغارم وسائر الكلف المخزنية عن أقاربه وسائر المتعلقين بأذياله، فاشتد لذلك غيظ عامل بلده حسدا من عند نفسه، ولم يزل يضمر له السوء وينصب له حبال المكايد حتى قبض عليه وأودعه السجن ومكر به، ولما علم بذلك السلطان المذكور قبح فعل ذلك المتولى الخبيث، وسب وجدع وقرع ووبخ، وأمر بتسريحه حالا والإتيان به إليه على كاهل المبرة والإكرام لحضرته المكناسية، فأقام بمكناس واشتغل بالتدريس وإفادة الناس مدة، ثم رجع لبلده، ثم نقل لسطات بقصد تولية القضاء بها وبها كانت منيته.
وقد ظهرت له مدة مقامه بمكناس كرامات، وخوارق عادات، لا زال المسنون يتحدثون بها، من ذلك ما أخبرنى به بعض من وثقت بخبره من الآخذين عنه الملازمين له أنه كانت عنده آنية من العود أعدها لطعام الأضياف تسع ملء الكفين مرتين، وكان يطعم منها العدد الوافر من الناس ولا تنفد، وأنه جاءه رجل بولديه يدعو له فقال له: ارجع بولدك فإنه ولى من أولياء الله تعالى فكان الأمر كما قال، نشأ ذلك الصبى في عبادة الله تعتقده الخاصة والعامة ويتبركون به، ولم يحفظ عنه