حيث يعتقد فيه التفريط، فرجع للباب وجلس في حيرة عظيمة فبينما هو يضرب أخماسا في أسداس إذ سمع نحنحة المترجم بالمحل، فدخل فزعا فوجده مقيدا، فقال له: مالك أخي حتى الصلاة مع النَّاس نتركها إلى غير هذا مما يطول.
ولا شاعت وذاعت في النَّاس كراماته سرحه الأمير المذكور، وأبدى له أعذاره وطلب مسامحته، فسامحه على أنَّه لم يؤثر فيه ذلك شيئًا، وحدثنى بعض أهل العدل الأعلام أنَّه أى المترجم كان يدعو للسلطان المذكور فقيل له: كيف تدعو له وهو قد فعل بك كيت وكيت؟ فأجابه بقوله: كيف لا تدعو لمن كان السبب في ربحك وفلاحك.
وبالجملة فقد كان المترجم كعبة خير وفضل وصلاح وفلاح، يطوف حولها أئمة الدين، وحملة شريعة خير العالمين، لاستصباح قلوبهم من فيض أنوار هديها، منظور إليه بعين الإكبار، والإجلال والاعتبار، معتقدا عند العامة والخاصة.
فلقد كان الشيخ القدوة الحاج محمَّد جنون كثير الإنكار على أهل الدعوى من المتصوفة شديد الشكيمة في الله، ومع ذلك فلم يسعه غير الإذعان والخضوع والإقرار والاعتراف بفضل صاحب الترجمة، فكان إذا حل بفاس لا يتقاعد عن تعاهد زيارته ومن ذلك ما عاينه تلميذه أبو العلاء المولى إدريس الفضيلى العلوى، قال: رأيته -يعني شيخه- جنونا يومًا وقد دخل على صاحب الترجمة وحوله جمع عظيم يناهز المائة نسمة ما بين أشراف وعلماء وغيرهم، قال: وشيخنا رحمه الله محتبى بين يديه مطأطئ رأسه بعد أن احتبى حبوات بين يديه، فلما رفع رأسه -أعنى صاحب الترجمة- طلب منه صالح دعائه فدعا له بخير وانتفع رحمه الله بدعائه.
وفاته: تُوفِّي بسجلماسة أواخر شعبان أو أوائل رمضان عام ستة وتسعين ومائتين وألف، ودفن بداره بأبار، إذ قد تنازع بعد وفاته في مدفنه أهل تلك