وكتب بذلك لعامل عاصمتنا المكناسية وسائر القبائل البربرية وندبهم لمبايعة المولى عبد الحفيظ والدخول فيما دخل فيه أهل فاس وغيرهم من القبائل الحوزية، وأبدى ما استوجب به المولى عبد العزيز خلع بيعته من الأعناق، وأن الأولى بالقيام بالأمر من بعده هو المولى عبد الحفيظ لجمعه لشروط الإمامة ولمبايعة أهل الحوز له، ولاشتداد عصبيته، ولما في المسارعة لذلك من حقن الدماء، وإخماد نيران الفتن المضرمة تحت التقاعس عن ذلك لتحفز الغير للوثوب فلم يسع أهل مكناس إلا المسارعة للدخول فيما دخل فيها الناس.
ثم لما تم الأمر على ما سنورده في محله بعد بحول الله، اجتمعت كلمة أهل فاس على إزالة الشريف البركة مولاى على بن السلطان سيدى محمد عن منصب الخلافة عن السلطان، حيث كان الولى عبد العزيز رشحه لذلك عند نهوضه من فاس، قاصدا رباط الفتح، عندما تحقق لديه قيام أخيه المولى عبد الحفيظ ونهوضه عن عاصمة الجنوب مع زعمائها من القواد والرؤساء والأعيان، ووجهتهم عاصمتا فاس ومكناس.
وبعد نزع المولى على عن منصبه تولاه المترجم، وهو الذى كان يسوس الأمور ويدبرها مع الحواضر والبوادى من بربر وعرب، وكان للكل به الثقة الكاملة لما علموه من صدقه وأمانته ومحبته الخير للقوى والضعيف والمشروف، ولما يعلمون من صدق ولاء البربر له، وأنهم لا يتعدون إشارته، ولم يزل قائما ومدافعا ومسكنا للروعات إلى أن وصل المولى عبد الحفيظ مؤيدا منصوراً فأبقاه ظاهرا على حاله يتربص به الدوائر، وصاهر أنجاله الثلاثة أبا العلاء إدريس، وأبا عثمان سعيد، والمولى بناصر بأخواف، والمترجم مع ذلك كله لم يغتر، بل يتيقن أن السم في ذلك العسل إذ قديما حنكته التجارب وحنكها.