ثم إن ما توارد عليه هؤلاء الأدباء وغيرهم من محاسن مكناسة منظور فيه إلى الحسن الفعلى الحالي تارة وإلى الأصلي الذي عضدته آثاره أخرى، إذ لا محالة أنها كغيرها تعاورتها أطوار الزمان، وكسفت المرة بعد الأخرى بأيدي الامتحان.
وما دام في العيش خير لا بد أن يقابل كل شروق بغروب، وَمِنْ أنْ يتقلب فصل الربيع المحبوب، في أطوار باقي الفصول وبذلك يكمل المرغوب، وعلى ذلك نبه علامة مكناسة ومؤرخها وأديبها ابن جابر الغساني بقوله:
لا تنكرن الحسن من مكناسة ... فالحسن لم يبرح بها معروفا
ولئن محت أيدي الزمان رسومها ... فلربما أبقت هناك حروفا
هذا وحيث أتينا ببعض ما امتازت به هذه المدينة من الفخر، وجئنا للمطالع المنصف بما يجده نعم الذخر، ومنحناه تلك المنح المزرية برقة الملح، وروينا الظماء من عذوبة أخبارها، فلا بد أن نأتي على المطلب الثالث ونحلي تاج مفرقها بذكر ما لا غني عنه من تراجم من حفظت ترجمته من علمائها وأحبارها، مشاهير الإسلام وحماته، وحفاظه وحاملي راياته، ونظم نثار أوليائها شم الأنوف، الباذلين مهجهم في عرفان من هو بالديمومة معروف، أولئك الذين رفعوا بانتصابهم لنفع العباد، وإرشاد الخليفة حاضرها والباد، مرتبا تراجمهم على ترتيب حروف المعجم غير مبال في نظمها بتقديم من تأخر، أو تأخير من تقدم، لا أهمل من الحروف غير حرف عدمت تراجمه، أو جهلت معالمه.
أذكر أولا ما حلي به كل واحد منهم بنصه، ثم أذيله بما وقفت عليه زائدًا من أحوال شخصه، وأطرز حلل أولئك الأعاظم، بذكر ما للناثر منهم إن وقفت