للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ناهيك أنَّه رفيق السلطان أبي عبد الله محمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن هشام، إمام أئمة هذه الفنون، استخدمه السلطان المذكور في عداد الميقاتيين بشريف حضرته، ثم اصطفاه السلطان أبو عليّ الحسن ووثق بكفاءته ومقدرته وإخلاصه، وكان يحبه ويجله، ويقدمه للمهمات، رأَّسه على محلة وجهت لمأمورية بسوس الأقصى، وأخرى بالريف، وأخرى بزيان بعد التسعين ومائتين وألف، وذلك لما جاء البطل الأشهر محمَّد بن حمو الزيانى يستنجد بالجلالة الحسنية على البغاة المتمردين آيت شخمان، وبنى مجيلد واشقيرن الذين أغراهم على شق عصا الطاعة والتجاهر بالعصيان بو بكر مهاوش وستين الغارات على الزيانى المذكور وقبيله، فأجابوه لذلك لما لهم فيه من الاعتقاد ولما بينهم وبين المذكور من العداوة الموروثة عن آبائهم منذ فعلوا فعلتهم الشنيعة بالسلطان الأعدل أبي الرَّبيع سليمان آتى الترجمة.

وكان إذ ذاك حمو والد محمَّد الزيانى المذكور من أنصار السلطان الذين بالغوا في الدفاع عنه حتَّى مات عدد عديد من قبيلة في سبيل نصرة السلطان وتخليصه، فصادف من الجلالة الحسنية قبولا لرغبته، وأعد له جيشًا عظيمًا وعسكرا جرارا، وزوده من الذخائر الحربية ومن العدة والعدد ما فيه مقنع، وإرغام لأنوف أهل الزيغ الذين كانوا يقولون نحن أولو قوة وأولو بأس شديد، فمن أشد منا قوة. وانتدب المترجم رئيسا على تلك الجنود بصفته مهندسا، وإلى نظره سائر أعمال من بها من الطبجية والمدافع والمهاريس التي وجهت مع تلك الحال، فعسكرت المحال بخنيفرة، وكانت قرية صغيرة إذ ذاك بزيان، ففر ملاكها عنها لما رأوا ما لا قبل لهم به من الجنود المجندة، وكان ذلك أول فتح ثم تسعرت نيران الحروب على قنن تلك الجبال، وما زالت القوة السلطانية بتلك القوة البربرية حتَّى أرضختها وللطاعة أدخلتها وعم النفوذ في سهلها وصياصى الجبال.

<<  <  ج: ص:  >  >>