العلامة الأصيل، المفوه الجليل، مولانا عبد السلام بن السلطان الأعظم سيدي محمد بن عبد الله، ورب البيت أدري بما فيه، وأهل مكة أدري بشعابها، ولا سند ولا سلف للزياني فيما تقوله واختلقه، وإنما التقديم والتأخير إذ ذاك كان بيد العبيد حسب أغراضهم الشخصية حسبما علم بالاستقرار من أحوالهم الاستبدادية: أشاعوا أن والده عهد إليه كي لا تتشوف نفوس إخوته لمنازعته الأمر، واختلقوا له طابعا باسمه وكتبوا عدة مكاتب لسائر البقاع المغربية وطبعوها بطابعه مظهرين أن والده عهد إليه بالخلافة من بعده، ومموهين بما كان له من الحظوة والمكانة مدة خلافته لديه، وأنه لم يحفظ عنه إذ ذاك ما يدنس سمعته أو ينتقد عليه، وأوعدوا من شق عصا طاعته بما يلزم البغاة المحاربين، وصرحوا بكينونتهم عند أمره في الشدة والرخاء والمنشط والمكره، والحال أنهم مصرون على خلاف ذلك إن لم يكن رهين نظرهم.
ولما شاهد أهل مكناس الجد من المترجم وأنه عزم على تدمير مدينتهم بما نصبه عليها من المدافع -حسبما ذكر ذلك الأسير تومى الإنجليزي في رحلته ونقله عنه مختصر الرحلة صحيفة ٩ - بايعوه خوفا من تدمير المدافع وصولة العبيد وقواهم على الامتثال ما سمعوا المترجم يعلن به من أنه لا يقبض من الرعية غير الزكوات والأعشار فتمت له البيعة بمكناس.
وبلغ نعي والده أهل فاس -وقد كانوا قاموا قومة شنعاء في وجه عاملهم أبي على الروسي- فاجتمع العلماء والأعيان وذوو الحل والأبرام بالضريح الإدريسي الأزهر وبايعوا المترجم وأوفدوا عليه ببيعتهم للعاصمة المكناسة جماعة مؤلفة من وجوه الأشراف والعلماء والتجار وذوي الحيثيات، وقلوبهم مملوءة رعباً بما صدر منهم من الإيقاع بعاملهم المذكور ونهب أمواله، معتقدين أنه يقابلهم بما يقابل به من ارتكب ما ارتكبوه من الإجرام لا يدرون أي باب من أبواب الاعتزار يلجون، ولما مثلوا بين يديه لم يبال بما اقترفوه ولا رفع لافتياتهم رأْسا كأنه لم يكن