النحل آية ٩٠]، وأن العدل هو القسطاس المستقيم في الرعايا والعوالم، فإن الله تعالى خلق العوالم مختلفة متقابلة متضادة مزدوجة، ويعسوب ثباتها الكفيل بسعادة حياتها هو العدل فيها يربط شئونها بالطريق الوسط، الخالى من التفريط والشطط، فإن ذلك به تطمئن القلوب من الشعوب، وبه ترتبط على التعاضد في مدلهمات الخطوب، وبضده تنال مهاوى الفشل والتفرق والاندثار، وتلاقى الأمة من شقاوة الحياة سائر الأخطار.
فحقيق على كل دولة رامت السعادة والثبات أن تجعل العدل أساس تصرفاتها، ومركز سائر تقلباتها، وأن تتعاهد إصلاح ما اختل من ذلك كل حين، وأن تجعله محور دوائر المراقبة منها على ممر الأوقات والسنين، وليس يتأتى ذلك إلا بإدمان النهضة لتصفح أحوال المتولين، والمبادرة لطرد الظالمين، والضرب على أيديهم، وإظهار مزايا من وجد منهم لطريق العدل سالكا، ولسائر الأغراض الشخصية في ولايته تاركا، فقد قيل لبعض الحكماء: بم يزول الملك؟ قال: بغش الوزير، وسوء التدبير. وفساد الطوية، وظلم الرعية، {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}[سورة ص آية ٢٦].
هذا وقد آن أن نتخلص للمقصود فنقول: حيث كان فن التاريخ تقصر الحافظة عن الإحاطة بإفادته، وتنقض خطا القلم عن الإلمام بسائر مهماته، تعين صرف العنان من الإنسان لتحرير ما هو الأهم به في طوره الآن.
وذلك شيئان أصل تخطيط بلدة أقيم فيها. وأحوال دولة هو الآن بين رجالها، وأهمية الأول هى باعتبار أن جاهل تخطيط بلدته، التي بها مسقط رأسه ومحط رجال أهل جلدته، يكاد مع انتفاء الموانع أن لا يضرب له في الإنسانية بسهم من فئته، ويعد ذاهلا حتى عن أصل نشأته.