أن الذى أعرفه أن الانتقال من تونس إنما كان إلى فاس لا إلى تلمسان ثم إلى فاس. انتهى. وقد زيف ما يخالف هذا مما قاله صاحب وفيات الأعيان في ترجمة البياسى.
وكان المترجم فقيها أديبا كاتبا مجيدا وجيها استوزره السلطان سيدى محمد ابن عبد الرحمن بعد وفاة والده السيد الطيب صبيحة يوم السبت تاسع عشر شعبان عام ست وثمانين ومائتين وألف وذلك بالحضرة المراكشية، فقام بأعباء الوزارة أتم قيام مع الجد والحزم والنصح في الأعمال والإخلاص لجانب الأمير والمأمور.
وقد كان رحل إلى الحج قيد حياة والده، وذلك عام تسع -بتقديم التاء على السين وسبعين بتقديم السين على الموحدة- ومائتين وألف فأدى فريضة الحج وزار قبر خير الأنام، وتاقت نفسه للجوار فاشترى داره الشهيرة بالمدينة المنورة، ثم آب للديار المغربية، ثم أعاد الرحلة إلى الحج فاتح عام أربعة وتسعين بأهله وذويه، وأقام بمكة إلى فاتح عام سبعة وتسعين، وفيه رحل لطيبة الطيبة بقصد الجوار فطاب له بها المثوى والقرار.
وفى فاتح اثنين وثلاثمائة وألف دخل مصر والآستانة العظمى لمعالجة ألَمٍ ألَمَّ به فلقى من السلطان عبد الحميد ورجال دولته تكرمة وإجلالًا، ثم عاد إلى المدينة.
ثم في فاتح سنة ثلاث وثلاثمائة وألف رجع إلى الديار المغربية لصلة رحم قرابته وقضاء بعض مهماته، فوجد السلطان بالثغر الرباطى فأجله واعتنى بشأنه ورافق جنابه العلى إلى الحضرة المكناسية، فراوده وألح عليه في المقام على وَظِيفِه فاعتذر واستعفى وأبى إلا العود لجوار المصطفى، فساعده الإسعاد بالمساعدة وعاد لمدينة خير رسول معرضا عن كل ما يثبطه ويلهيه، وأقبل على عبادة ربه حتى أتاه اليقين.