للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأولى والثانية من بعث إنافة بمحلنا وتنويها بشريف مكاننا وكانت المواصلة بين الملوك والمراسلة مستنة ومشروعة وان اختلف اللسان وتباينت الأديان.

فجاريناه على فعله. وكافيناه على شغله. ووجهنا له من خدامنا أنباشا دورا وصل إليه. وقدم عليه. كما شاهدته ورأيته ففرح بسفيرنا وأكرمه إكراما كثيرًا، وسر به وبمقدمه سرورًا كبيرًا. ورجع من عنده مغبوطا مسرورا.

فلم نزل نراعى لهم ذلك، ووفينا له في جميع ما كنا عملنا معه في طنجة ولم نرد البال إلى شئ مما كان يعمله بها حين أراد الرحيل عنها، وكان ينقل خزائنها ومدافعها وسكانها، وأهل جوارها من المسلمين يرون ذلك وينهونه إلينا ويقصون ما يشاهدونه علينا وما ألقينا إليه في ذلك البال. ولا التفتنا إليه بحال من الأحوال. وما ذلك إلا مكافأة له على صنيعه مع سفيرنا، ووفاء بالقول الذى كان طلبه منا، ووددنا أن لو كان أخوك بقى حيا إلى أن يشاهد صنع الله الذى صنعه لنا في فتح العرايش من يد لصبنيول، ويرى محاصرة سبتة اليوم وما كان أهلها يصرفونه عليها من الأموال، وما كان يلزمهم في مؤنتها من ملايين الريال، لتحقق وفاؤنا له، وغضضنا الطرف عنه وعلم أن القول والعهد الذى أعطيناه لم ننقص شيئا منه، فالصواب الذى كان من أخيك والحق الذى كان يعرفه لنا هو سبب الكتب إليك مكافأة على صنيعه، وهو الذى أوجب مكاتبتك بهذه المراسلة لنعرض عليك فيها الأمرين المذكورين أول الكتاب، فأما الدينية منهما ففيها خير الدنيا والآخرة لما فيها من رشادك ونصحك إن وفقك الله تعالى.

وذلك أن تعلم أن الله سبحانه جل جلاله، وتقدمت صفاته وأسماؤه، إنما خلق هذا الخلق ليعبدوه ويوحدوه ولا يشركوا به شيئا، قال الله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)} [سورة الذاريات].

<<  <  ج: ص:  >  >>