من معاهدة عم المترجم مولانا العباس المنعقدة مع الإصبان، عقب الحرب المذكورة أيام والد المترجم السلطان سيدى محمد قدس الله أرواحهما.
ولما جلس المترجم على أريكة الملك وكان مهتما بترقية مملكته وإدخال الإصلاحات والتنظيمات المناسبة للأحوال الوقتية، وعلم أن سياسات الامتيازات سد أمام وجهه، وعقدة لا تنحل ولا تنفتح معها أبواب مساعيه، بذل مجهوده بطريقة ودية في تحوير تلك المعاهدات، وتنقيح فصولها وخص عدد الحمايات ارتكابًا لأخف الضررين.
وحيث رأى أن هذا الأمر لا يتم إلا بفتح المخابرة مع الدول ذات الأكثرية في المصالح التجارية إذ ذاك بالمغرب مثل فرنسا وإنكلترا وايطاليا وبلجيكا، وكانت هذه الدول هى التي سبقت غيرها بتوجيه سفرائها لتهنئته بالجلوس على سرير ملك أسلافه الكرام، اغتنم هذه الفرصة ووجه خديمه الأنصح السيد الحاج محمد الزبيدى سفيراً وباشا دورا لرد الزيارة لتلك الدول ورؤسائها، وأعطاه أموالا طائلة ليصيرها في وجهته، وهدايا فاخرة للعظماء الذين يلقاهم في رحلته، ووجه معه أمينا للصائر السيد بناصر غنام الرباطى، والفقيه الأديب الفلكى سيدى إدريس الجعايدى السلوى بصفة كونه كاتبا، وعددا من أعيان ووجهاء قواد الأراحى إظهارا للأبهة المخزنية، والضخامة السلطانية فتوجه أولا لدولة فرنسا.
فركب من طنجة على متن باخرة حربية وجهتها الدولة المذكورة لنقله إلى مرسيليا فوصلها في سابع جمادى الأولى عام ثلاثة وتسعين ومائتين وألف، واحتفلت الحكومة المحلية هنالك باستقباله احتفالا باهراً وأكرمت وفادته، فتبرع على الجمعيات والملاجئ الخيرية هنالك بما راده اعتباراً في أعينهم وحظوة وكتب له حاكم المحل متشكرا من حسن صنيعه.