للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التقى به. ثم نزع الخافض فأوصل الفعل الى الضمير. ولعل الكثير من الأفعال المتعدية كانت لازمة في الأصل، ثم صير الى هذه الطريقة التماسا للخفة التي آلت إلى الإيجاز.

٣٥- وقال تعالى وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ [الآية ١٥٦] .

والمعنى لقوله تعالى هُدْنا إِلَيْكَ تبنا إليك، وهو قول مجاهد، وسعيد بن جبير، وإبراهيم.

قال ابن سيدة: عدّاه بإلى لأنّ فيه معنى «رجعنا» ، وقيل: معناه تبنا ورجعنا وقربنا من المغفرة، وكذلك قوله تعالى: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ [البقرة: ٥٤] .

أقول: وليس لأهل اللغة أن يعقدوا صلة بين هذا الفعل وبين الفعل «هادوا» في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا [البقرة: ٦٢، والمائدة: ٦٩، والحج: ١٧] ، ذلك بأن هذا الفعل الأخير يرجع الى «يهود» ، وهو اسم قبيلة نسب إليها اليهود.

ولنعد الى مادة «هاد يهود» التي وردت في الآية في كلامنا عليها فنقول: المتهوّد: المتوصّل بهوادة إليه، وهو المتقرّب.

والتهويد والتّهواد والتهوّد: الإبطاء في السّير واللين والترفّق.

والتهويد: المشي الرّويد كالدّبيب ونحوه، وهو السّير الرفيق.

وفي حديث ابن مسعود: «إذا كنت في الجدب، فأسرع السير ولا تهوّد» .

أي: لا تفتر، وكذلك التهويد في المنطق، وهو الساكن، يقال: غناء مهوّد، قال الراعي:

وخود من اللائي تسمّعن بالضّحى ... قريض الرّدافى بالغناء المهود

والتهويد أيضا النوم.

وتهويد الشراب: إسكاره. وهوّده الشراب إذا فتّره فأنامه، وقال الأخطل:

ودافع عنّي يوم جلّق غمزه ... وصمّاء تنسيني الشراب المهوّدا

أقول: إن معنى «هاد» في الآية بمعنى التوبة أو الرجوع في قوله تعالى: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ، واستفيد هذا المعنى من التضمين، الذي دلّ عليه الخافض «إلى» ، فقد نقل من «السير» وهو المعنى القديم، إلى «التوبة» وهي