ورحمته، من غير عوض، فأشبه الميراث، وإن كانت الدرجات فيها بحسب الأعمال.
فإن قيل: لم قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الآية ٥٤] أمّا الخلق بمعنى الإيجاد والإحداث، فظاهر أنه مختص به سبحانه وتعالى، وأمّا الأمر فلغيره أيضا، بدليل قوله تعالى وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [آل عمران: ١٠٤ و ١١٤ التوبة: ٧١] وقوله تعالى وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ [الآية ١٩٩] وقوله تعالى وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ [طه: ١٣٢] ؟
قلنا: المراد بالأمر هنا، قوله تعالى كُنْ عند خلق الأشياء، وهذا الأمر الذي به الخلق مخصوص به كالخلق.
الثاني أن المراد بالخلق والأمر ما سبق ذكرهما في هذه الآية، وهو خلق السماوات والأرض، وأمر تسخير الشمس والقمر والنجوم كما ذكر، وذلك مخصوص به عزّ وجلّ.
فإن قيل: لم قال تعالى على لسان نوح (ع) لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ [الآية ٦١] بالتاء، ولم يقل ليس بي ضلال كما وصفه قومه به، وذلك أشدّ مناسبة ليكون نافيا ما أثبتوه عينه؟
قلنا: الضلالة أقل من الضلال، فكان نفيها أبلغ في نفي الضلال عنه، كأنه قال: ليس بي شيء من الضلال، كما لو قيل ألك ثمر فقلت مالي ثمرة؟
كان ذلك أبلغ في النفي من قولك مالي ثمر.
فإن قيل: لم وصف الملأ بالذين كفروا في قصة هود، دون قصة نوح (ع) ؟
قلنا: لأنه كان في أشراف قوم هود، من آمن به منهم عند هذا القول، فلم يكن كل الملأ من قومه قائلين له إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ [الآية ٦٦] بخلاف قوم نوح فإنه لم يكن منهم من آمن به عند قولهم كما ورد في التنزيل إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) فكان كل الملأ قائلين ذلك، هكذا أجاب بعض العلماء وهذا الجواب منقوض بقوله تعالى في سورة هود في قصة نوح (ع) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا [هود: ٢٧] ، وجواب هذا النقض، أنه يجوز أن القول كان وقع مرتين، والمرة الثانية بعد إيمان بعضهم.
فإن قيل: لم ورد على لسان صالح عليه السلام، قوله لقومه بعد ما أخذتهم الرجفة وماتوا يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩)