قلنا: هذا مستعمل في العرف، فإن من نصح إنسانا فلم يقبل منه حتى قتل أو صلب ومرّ به ناصحه، فإنه يقول له: كم نصحتك يا أخي فلم تقبل حتّى أصابك هذا. وفائدة هذا القول، حثّ السامعين له على قبول النصيحة ممّن ينصحهم، لئلّا يصيبهم ما أصاب المنصوح الذي لم يقبل النصيحة، حتّى هلك.
فإن قيل: لم قال شعيب (ع) كما ورد في التنزيل وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها [الآية ٨٥] وهم ما زالوا كافرين مفسدين لا مصلحين؟
قلنا: بعد أن أصلحها الله تعالى، بالأمر بالعدل، وإرسال الرسل. وقيل معناه بعد أن أصلح الله تعالى أهلها، بحذف المضاف. وقيل معناه بعد الإصلاح فيها: أي بعد ما أصلح فيها الصالحون من الأنبياء، وأتباعهم العاملين بشرائعهم، فإضافته كاضافة قوله تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [سبأ: ٣٣] يعني بل مكرهم في الليل والنهار.
فإن قيل: كيف خاطبوا شعيبا (ع) بالعود في الكفر بقولهم كما ورد في التنزيل: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا [الآية ٨٨] وهو أجابهم إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها [الآية ٨٩] وهو لم يكن في ملّتهم قط، لأن الأنبياء (ع) لا يجوز عليهم شيء من الكبائر خصوصا الكفر؟
قلنا: العرب تستعمل عاد بمعنى صار ابتداء، ومنه قوله تعالى حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) . الثاني، أنه قيل ذلك على طريق تغليب الجماعة على الواحد، باشتمال الكلام على الذين آمنوا منهم بعد كفرهم، وبجعلهم عائدين جميعا، إجراء للكلام على حكم التغليب وعلى ذلك أجرى شعيب (ع) جوابه.
فإن قيل: لم ورد على لسان فرعون فَأْتِ بِها بعد إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ [الآية ١٠٦] ؟
قلنا: معناه إن كنت جئت بآية من عند الله، فأتني بها: أي أحضرها عندي.
فإن قيل: لم قال تعالى قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) وفي سورة الشعراء