قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤)[الشعراء] فنسب هذا القول الى فرعون؟
قلنا: قاله هو وقالوه هم فحكى تعالى قوله، ثمّ قولهم هنا.
فإن قيل: السحرة إنّما سجدوا لله تعالى طوعا، لمّا تحقّقوا معجزة موسى (ع) ، فلم قال تعالى وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠) .
قلنا: لمّا زالت كلّ شبهة لهم بما عاينوا من آيات الله تعالى على يد نبيّه، اضطرهم ذلك الى مبادرة السجود فصاروا من غاية المبادرة، كأنّهم ألقوا الى السجود تصديقا لله ولرسوله.
فإن قيل: لم قال تعالى هنا حكاية عن السحرة الذين آمنوا وعن فرعون قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١) الى قوله سبحانه وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦) ثمّ حكى عنهم هذا المعنى في سورة طه، وسورة الشعراء، بزيادة ونقصان في الألفاظ المنسوبة إليهم وهذه الواقعة ما وقعت إلا مرّة واحدة، فلم اختلفت عبارتهم فيها؟
قلنا: الجواب عنه، أنهم إنما تكلموا بذلك بلغتهم لا باللغة العربية، وحكى الله ذلك عنهم باللغة العربية مرارا لحكمة اقتضت التكرار والإعادة، نبيّنها في سورة الشعراء إن شاء الله تعالى، فمرّة حكاه مطابقا للفظهم في الترجمة رعاية للفظ وبعد ذلك حكاه بالمعنى جريا على عادة العرب في التفنّن في الكلام، والمخالفة بين أساليبه، لئلّا يملّ إذا تمحّض تكراره.
فإن قيل: في قوله تعالى مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها [الآية ١٣٢] لم سموها آية، ثم قالوا لتسحرنا بها؟
قلنا: ما سموها آية لاعتقاد أنها آية، بل حكاية لتسمية موسى (ع) على طريق الاستهزاء والسخرية.
فإن قيل: لم قال تعالى وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧) أي أهلكنا، وقال سبحانه في موضع آخر:
قلنا: معناه: ودمرنا، أي أبطلنا ما كان يصنع فرعون وقومه من المكر والمكيدة في حق موسى (ع) وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧) أي يبنون من الصرح الذي أمر فرعون هامان ببنائه ليصعد بواسطته الى السماء. وقيل هو